الجمعة، 8 مارس 2013

عن تركيا الإردوغانية .. وإسرائيل الصهيونية


 
لم أكن أرغب في كتابة هذا الموضوع لأسباب عدة أبرزها أني بِتُّ في نظر بعض القراء مجرد كاره لإردوغان مع أنني لا أفعل إلا نقل أرقام حقيقية لا أكثر و لم أكن أتصور أنني سأكتب عن هذه النقطة المعروفة للعالم كله إلا العرب لأسباب تتعلق بإنعدام الضمير عند الإعلام العربي .. لكن حين قرأت عن إعتقال الجنرال باشبوغ بتركيا بتهمة مضحكة بالغة التلفيق و نشر صورة له عند حائط المبكى اليهودي بالقدس من طرف حزب إردوغان قررت القيام بدوري بنشر حقائق لا يعرفها العرب للسبب سابق التوضيح -باشبوغ زار القدس فزار الكنائس و الأقصى و المعابد و حائط المبكى و إنتقوا تلك الصورة ليسيئوا له متجاهلين أنه بروتوكول أعدته الحكومة التركية الاردوغانية له قبل الزيارة !!!!- لذا فأنا هنا لن  أقدم جديد و سأنقل و أشرح المنقول و المشروح فبكل أسف تاريخ الصداقة الاردوغانية/الإسرائيلية معلوم للعالم إلا نحن و ما سيدهش القارئ أشعر بالغثيان لأنه أدهشه من فرط شهرته و معرفة الناس به فإن كان القارئ آسف لأنه لم يكن يعرف فليقاطع الإعلام المنغولي الذي يتابعه فهو يصور تركيا كدولة ذات نهضة إقتصادية بينما هي على وشك الافلاس و كدولة مُمانعة بينما هي باتت بفضل سيايات إردوغان -بكل أسف- حذاء أمريكي على حد تعبير القوميين الأتراك .
البداية:

مع إنقلاب 1997 بتركيا هرب فتح الله جولن مؤسس حركة جولن النور بتركيا لثقته في حتمية إعتقاله كجزء من تصفية الانقلاب لبقايا رفاق نجم الدين إربكان و إختار عام 1998 بنسلفانيا كمركز لمقره بالمنفى لتبدأ ملامح عهد جديد -بالصدفة ربما- تتشكل في تركيا برضا أمريكي -بالصدفة ربما- و تأييد من الإتحاد الأوروبي لحزب ناشئ عام 2001 مكون من بقايا حزب الفضيلة الذي شارك بدعمه جولن -بالصدفة ربما- و الوطن الام لمؤسسه أوزال تلميذ إربكان و جولن -بالصدفة ربما- و مجموعة من أعضاء الحزب الديموقراطي القريبين من مجموعة إربكان/جولن -بالصدفة ربما- ليجدوا رجال اعمال ممولين جاهزين و إعلام مفتوح و أصدقاء بالغرب دون جهد -بالصدفة ربما- و يدخل الحزب الانتخابات و يربح عام 2002 ببرنامج لا داع لذكره الآن حتى لا يصاب القراء الاسلاميون بصدمة عصبية حادة ، المهم أنه مع دعم رجال الاعمال و (الأصدقاء) بالولايات المتحدة بات نهج إردوغان الإقتصادي رأسمالي بحت فتح السوق التركي كما أورد البنك الدولي في رؤيته و ربط بلاده بالسوق العالمي و خصخص كل ممتلكات بلاده بما فيها شركات الاتصال و الغاز (للتفاصيل راجع المقال) و بالتالي فالسياسة الاقتصادية ليبرالية رأسمالية غربية تابعة لرؤية البنك الدولي 100% ، الجانب السياسي الداخلي نلخصه في شيئين الأول تنفيذ رؤية الاتحاد الاوروبي في جوانب القوانين المحلية و النظام السياسي أما الثاني فهو الحفاظ على النظام العلماني الداخلي بلا مساس تقريباً !
ماذا عن السياسة الخارجية؟ .. لقد أجبنا فالقوميون لخصوا مجمل السياسات بأن تركيا الاردوغانية حذاء أمريكي فهي تتخذ كل قراراتها بعد إستئذان الولايات المتحدة و تنفذ كل رغباتها بل و تشاركها اليوم في تغيير أنظمة توصف بالممانعة  بالمنطقة و لم يحدث يوماً أن إختلفت مع أمريكا إلا في مسائل إنكار المذابح العثمانية ! .. إن تقرير -من عدة تقارير- لمؤسسة راند يوضح ملخص سياسات إردوغان و نستطيع الحصول عليه من (هنا) و التقرير ببساطة يقول أن تجربة إردوغان تخدم مصالح الولايات المتحدة و (حلفاءها) بالمنطقة سياسياً و إقتصادياً و يوصى بإستنساخ التجربة بباقى الدول !

الصورة في 12 نوفمبر 2007 بأنقرة !
فماذا عن إسرائيل؟
الإجابة سهلة و ربما تستشفوها من تقرير راند..
نقسم تاريخ إردوغان مع إسرائيل لثلاثة أقسام.. 2006/2003 .. 2010/2006 .. 2012/2010 .
القسم الأول : 2006/2003:

حرص رجب طيب إردوغان في كل سياسات تركيا الخارجية على تنمية العلاقات التركية الإسرائيلية و عدم المساس بها و طمأنة إسرائيل كليةً على مصالحها و تدعيم هذه العلاقات الممتدة من الاعتراف بها 1949 إلى إرسال أول سفير في عهد عدنان مندريس 1952 ثم زيارة مندريس لإسرائيل 1948 لمناقشة سبل الدفاع المشترك ضد مصر و سوريا !
في 2005 زار إردوغان إسرائيل و دعا لإنشاء منطقة سلام عربية مع إسرائيل و إقامة سوق تجاري عربي/إسرائيلي بالمنطقة (الصورة الأولى بالاعلى) واصفاً الهولوكوست بمأساة إنسانية و جريمة ضد البشر (و هي كذلك فعلاً) داعياً لتطبيع عربي/إسرائيلي و قدم وفد من 200 رجل أعمال لموشية كاتساف رئيس إسرائيل كبداية لعلاقات تجارية تركية / إسرائيلية كبرى ! ، كذلك أشار لأن إيران خطر على العالم الحر برغباتها النووية (الزيارة)  !!! ، و هناك طرح إردوغان فكرة وساطة تركيا من أجل السلام بين العرب و إسرائيل ووعد كاتساف بالدراسة لتقفز العلاقات التجارية التركية و الاسرائيلية للقمة طوال عامين حتى 2007.
القسم الثاني 2010/2006 :

الصورة في 22 ديسمبر 2008 بأنقرة.

تميزت العلاقات التركية الاردوغانية مع إسرائيل هنا بميزة كبرى..
أولاً لم تتأثر بجدية بالعدوان على لبنان و غزة فهي توترت و تبادلوا الهجوم ثم عقدوا لقاءات صلح و قبلوا بعضم و رحلوا !
ثانياً تحولت تركيا لوسيط بين سوريا و إسرائيل لعقد معاهدة سلام و إلغاء السياسة الممانعة لسوريا ضد إسرائيل بدأً من عام 2006 مع إعلان شيمون بيريز أن الأصدقاء بأنقرة يتولون مسألة الوساطة و تأكيد وكيل وزارة الخارجية السورية على هذا !! ، و نجد أمثلة كثيرة فوزير الخارجية السوري يقول لا مفاوضات مع إسرائيل بلا تركيا و تركيا كذلك تبدي استعدادها للوساطة للمرة الثانية .
إسرائيل بدورها توافق على الوساطة و تمر السنوات و الأسد يصف تركيا بوسيط لا مثيل له و نيتانياهو يرى تركيا وسيط شرعي ، تركيا تقوم بمناورات نسر الاناضول في 2009 مع إسرائيل بعد إنتهاء غزو لبنان مع أن بيريز (تشاجر) مع إردوغان في بداية 2009 فهذا لم يمنع مناورات عسكرية بينما العرب يهللون لمغادرة إردوغان المكان الذي أتى له كصديق لإسرائيل  !! ، تستمر الوساطة و تعلن تركيا في 2010 إستعدادها للوساطة بين سوريا و إسرائيل كما أسلفنا ، الخلاصة أن العلاقات قوية حتى 2010 علناً و سراً و للعرب الهتاف بإنسحاب إردوغان من دافوس 2009 بينما لتركيا العلاقات القوية و مصالحها و نحن نهلل كالمعاتية !
القسم الثالث 2012/2010:

الصورة بأنقرة يناير 2010 مع باراك و أوغلوا و السفير التركي الذي تعرض لإهانة و غادر إسرائيل !!!!!


في الفترة من 2010 إلى 2012 مرت فعلاً العلاقات بتوتر حقيقي بفعل الضغط الشعبي التركي على الحكومة الاردوغانية بسبب الغارة على سفينة مرمرة التركية بإسطول الحرية .. التصريحات و النكسات السياسية التركية إمتدت على طوال الخط (مثال) إلى اليوم فتركيا تتقهقر سياسياً امام إسرائيل و يُهان سفيرها و يُثبت ضعف ذكاء وزير خارجيتها و الاعلام يصور هذا كإنتصارات تركية !! ، العجيب أن وسط هذا الزخم هل فعلاً تركيا الاردوغانية على علاقات سيئة في الفترة من 2012/2010 مع إسرائيل؟؟

شارون و غول أنقرة 2005

الاجابة لا..ببساطة السياسة متوترة لكن:
-1- تركيا في 2011 أكبر جهات التصدير للبضائع الاسرائيلية (القطاع التجاري الاسرائيلي).
-2- الصادرات الاسرائيلية لتركيا في النصف الاول من 2011 زادت من 425 مليون دولار الى 662 مليون دولار (القطاع التجاري الاسرائيلي).
-3- تسريبات (الى لحظة كتابة المقال) بتنازل تركيا عن مطالبها الخاصة بسفن الاسطول من محاسبة و عقاب للجيش الاسرائيلي !
-4- التعاون الاسرائيلي الامني مع تركيا في 2011/2010 قفز للقمة !
-5- تركيا أبدت في سبتمبر 2011 تجاوباً مع مساعي كلينتون/أوباما للصلح و أعربت عن رغبتها في عودة العلاقات كماكانت.
-6- مع الربيع العربي 2010 بدأت تركيا تشارك إسرائيل ملفات أهمها الازاحة بالنظام السوري و تبنت أنقرة مواقف إحتضان المعارضة و إنشاء ميليشيات للقتال ضد الجيش السوري في خطوة غير مسبوقة أدانتها المعارضة التركية ووصفها حزب إربكان بأنها خيانة صريحة للأمة و ندد بها حزب الشعب  متسائلاً عن طبيعة العلاقات التركية الاسرائيلية التي تتعارض علناً و تتفق في ملف خطير كسوريا.
للمزيد يرجى مراجعة المقال الخاص بإردوغان.
….

خلاصة طرحي هي أنه لا يمكن أبداً القول بأن سياسات إردوغان مناهضة لإسرائيل فهو أتى في طرح غربي مؤيد لحركات اسلامية شكلا و رأسمالية حليفة مضموناً و تنقل بين أطروحات توثيق العلاقات مع اسرائيل إلى الوساطة بين إسرائيل و أعدائها إلى الموازنة بين الغضب بالشارع التركي و رؤيته السياسية..
لم يحدث يوماً أن كانت تركيا الاردوغانية في محل عداء مع إسرائيل و أقصى ما وصلوا اليه هو الخصومة بسب دماء تركية لا أكثر و حتى هذه اللحظة لا نجد فعلاً ما يشير إلى موقف حقيقي لتركيا التي تمنع العلاقات التجارية الحكومية مع اسرائيل و تشجع رجال أعمال حزب العدالة و التنمية على علاقات تجارية خاصة ! .. الأهم أن اردوغان الى الان يؤكد على حتمية العلاقات و أن الاعتذار سيعيد العلاقات قوية و يفتح الباب لتعاون حكومي تركي اسرائيلي يصل للتعاون في مجال الطاقة و مراجعة الرابط توضح هذا كنموذج عبر تصريحات وزير الطاقة في 15 مارس 2012.

و يظل الوهم العربي المقدس بالفارس المنظر ثابت..
قدسوا إيران كبطل مخلص ثم نقلوا الاحلام لحزب الله ثم حماس و اليوم تركيا..
لن يخلصكم إلا أنتم فأنتم مسيحكم المنتظر و غير هذا لن تجدوا..
من يبحث عن مسيحه في خارج أمته لن يجني إلا يهوذا..
أفيقوا من غفلتكم و إنتبهوا فتركيا بلد مسلم و ليس عدو لكن مصالحنا تتضارب معهم و مع سياساتهم.

حين تنهار إرادة الأمم تظل أسيرة الوهم حتى تأتي لحظة تستعيد فيها حركة التاريخ و تفهم مصالحها و طبيعة سياساتها فتنهض بأساس جديد يعيد للتاريخ القديم بهجته و يجعل الأجداد في القبور فخورين بالاحفاد على ظهر الأرض فلن يعيد التاريخ نفسه أبداً لكننا من يصنع التاريخ فكما صنعه الأجداد مرة نصنعه الثانية و الثالثة و ألف بإذن الله.

ليست المسألة مسألة خيانة بل مصالح فلا مجال للتكفير و التخوين بل المجال للمصالح و ليست السياسة بالمبادئ و قصص التاريخ و الكتب المقدسة بل بإجابة السؤال الهام: ما قوتك و ما لديك لأحدد لك ماذا سأعطيك.
إن السياسة هي حديث القوة و المصالح و دور السياسي إدارة دفة الصراع على الطالولة لصالح بلاده مهما كلفه الأمر..
و بأي ثمن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق