الجمعة، 8 مارس 2013

فيلم “محمد” 1926 الذي ضيّعه التشدد و قتلته السياسة


تظل العلاقة بين الابداع و القيود شغلاً شاغلاً لكل إنتاج فكري و علمي بحيث تُمثل المحظورات وسيلة أكيدة أو محتملة لإيقاف العقل عن ممارسة دوره الطبيعي في الإبداع ، من أهم تلك القيود نجد القيود الدينية و التي لو تابعنا تأثيراتها على البحث العلمي لوجدنا مشكلات حقيقية لعل نماذجها على سبيل المثال مشكلة نقل الاعضاء البشرية و أبحاث الجينات و الخلايا ، بخلاف الجانب العلمي نجد الابداع الأدبي و الأمثلة لا تحصى و لعل أشهرها أزمة اولاد حارتنا و كتب فرج فودة و أزمة نصر حامد أبو زيد .

كان الجانب الفني محل الهجوم منذ قبلة عبد الوهاب الشهيرة في فيلم الوردة البيضاء حتى مشهد الدراويش في فيلم دكان شحاتة ، لكن يتبادر للذهن نموذج منسي أو بالأصح مُتناسى و هو فيلم “محمد” ، الآتي هو ما حدث:
في بدايات العام 1926 قررت الجمهورية التركية عبر وسائل اعلامها الرسمية إنتاج فيلم ديني عن حياة النبي محمد صلى الله عليه و سلم بالاشتراك مع شركة إنتاج فني ألمانية (ماركوس) و تم اختيار الفنان يوسف وهبي لداء دور النبي ، فجأة في 26 مايو قامت جريدة المسرح بشن هجوم عليه متهمةً إياه بتشبيه النبي في الفيلم براسبوتين ثم صدرت فتوى بحرمة الاشتراك في الفيلم (علماء الاسلام الأتراك أجازوه) و تم التحقيق في وزارة الداخلية معه لينتهي الأمر بأمر ملكي من الملك فؤاد بمنعه من الاشتراك و إلا تم نزع الجنسية عنه و طرده من مصر ليضطر يوسف وهبي وسط صراخه من الكذب بمجلة المسرح و التطرف من شيوخ المعترضين و تشدد الملك فؤاد إضطر لرفض الدور وسط أسفه و تم الغاء المشروع وسط أنباء عن كون الشركة ستكلف فنان الماني يهودي بالدور.
الآن كيف حدث هذا أو بالأصح ما هي خيوط الأمر؟

للأمر أسباب دينية و سياسية هي الآتي:

أ : دينياً:
-1- كان الفن السينمائي جديد غير معروف و بالتالي شكل الأمر صعوبة لدى علماء الدين في تفهم الأمر خصوصاً مع نظرتهم للسينما على انها شئ غربي غير اسلامي.
-2- لم يكن تجسيد الأنبياء و الرسل مقبول اسلاميا باعتباره تجسيد لا يجوز بغض النظر عن كون التجسيد بالرسم عند البعض حرام فكان التشخيص بالنسبة لهم حرام قطعاً.
-3- كان التشدد الديني المرافق لإنتعاش المسرح و اعتبار المسرح فن اغريقي غير اسلامي سبب للتعنت خصوصاً مع كون الشخصية للنبي صلى الله عليه و سلم و الممثل هو مسرحي بارع.

ب: أسباب سياسية:
-1- كان الملك فؤاد يكره مصطفى كمال (لاحقاً أتاتورك) رئيس تركيا و يشعر بالغيرة منه بصورة شخصية فلم تكن فكرة انتاج تركي ببطل مصري لتروق له.
-2- كان الملك فؤاد يُجهز نفسه لمنصب الخليفة فكان الأمر خير دعاية له شعبياً في مزايدة ضرورية للخليفة المُقبل.
-3- كانت العلاقات المقطوعة بين الجمهورية التركية و المملكة المصرية تلعب دور هام في رفض انتاج تركي مصري بأي شكل.
ملحوظة: من العام 1925 كان هناك تمثيل دبلوماسي تحت مسمى قائم بالاعمال بين البلدين و لم يتم تبادل سفراء حتى العام 1948.
-4- أخيراً كان الظرف السياسي الداخلي يستدعي فرقعات اعلامية مشابهة لجذب وشد علماء الدين لتأييد الخليفة المُنتظر و الهاء الشعب عن المطالبات الانتخابية.

* هكذا كان الظرف الديني و الآخر السياسي سببين كافيين لتدمير مشروع فني حداثي لإظهار الاسلام بدعاية ايجابية في أوروبا و كانت عوامل شخصية و سياسية مدمرة لسمعة يوسف وهبي و هددت لدرجة كبيرة مستقبله الفني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق