في فيلم عنتر و لبلب كان عنتر يتحدى لبلب أن يضربة عدة صفعات على الوجه و كان لبلب يقبل التحدي كل مرة و يضرب عنتر الذي يأخذ في الصياح و الهيستريا و يتوعد كل مرة بضرب لبلب ، لو أتى أحد المشاهدين و اعتبر أن هيستريا عنتر إنتصار له فبالتأكيد المشاهد لديه مشكلة في قراء الموقف فلبلب قام بالفعل و احرج عنتر الذي يصيح فكيف يكون الصياح انتصار؟
..
نفس هذا المشهد أراه اليوم في تعاطي وسائل الاعلام العربية (بالذات الجزيرة القطرية) مع أزمة تركيا الحالية مع إسرائيل.
بعد مأساة سفينة مرمرة ضمن اسطول الحرية حين قُتل 9 ركاب بعد اقتحام جنود اسرائيليين السفينة بالمياة الدولية لنيتها العلنية كسر حصار حركة حماس بغزة و تعرض ركابها بالاعتداء على الجنود ، كان الامر غير منطقي ففارق القوة كبير و مهما كانت تصرفات الركاب فالرد بالضرب كذلك و الصعق الكهربي و كل وسائل التفريق طالما لا يوجد سلاح قاتل لديهم ، طالبت تركيا باعتذار و تعويض و رفضت حكومت نتنياهو اليمينية ، طالبت اسرائيل بإعتماد لجنة للتحقيق ووافقت تركيا على أن تكون لجنة من الامم المتحدة و رفضت اسرائيل هذا الامر ثم عادت تحت ضغوط لتوافق على مضض بقيام لجنة بكتابة تقرير فني يتناول الامر كله من الحصار البحري الى الحادث.
منذ أسبوع تقريباً أُعلن قرب صدور التقرير لتقوم اسرائيل بلا سبب واضح بطلب تاجيل اصداره فترفض تركيا و تأبى أي مباحثات قبل صدوره معتبرةً الموقف الاسرائيلي يشير لإدانة بالتقرير ، كانت المفاجأة مع التسريبات التي قالت:
* الحصار البحري لغزة شرعي لأنه يهدف لمنع تهريب السلاح لحركة حماس الارهابية (حسب الرؤية العالمية) .
* الاسطول و تحديداً السفينة مرمرة تهوروا في محاولتهم كسر الحصار المشروع و تعدوا بالضرب على الجنود .
* إسرائيل مارست قوة مفرطة تجاه السفينة .
* التعويض للضحايا واجب قانوني .
كان هذا مجمل التقرير نصاً و (معنى) ، ما إن صدر التقرير حتى تبين الفخ الاسرائيلي الذي دخل مرمى ديبلوماسية أبناء أتاتورك..
إسرائيل علمت بمضمون التقرير قبل الاعلان عن قرب صدوره فادعت أنها تريد تأجيله لتخدع تركيا و تجعلها تتصور أن التقرير سيدين اسرائيل و بالتالي تتمسك تركيا بالتقرير و تصر عليه قبل صدوره و ترفض تأجيله كما تطلب اسرائيل ، حين يصدر التقرير تكون أشبه بالصفعة فالتقرير لا يرفض الحصار البحري و يعتبر سفن الاسطول مخطئة و الاهم لا يدين الجيش الاسرائيلي بالصورة المطلوبة أبداً !!
ماذا فعلت تركيا؟
كأنها دولة موز و ليست دولة كبيرة هاجت تركيا و ماجت و خفضت التمثيل الديبلوماسي بسبب تقرير لم يتم اعتماده من أي جهاز تابع للأمم المتحدة و لم يتم اصداره كاملاً بعد !! .. قامت تركيا بالتعامل مع الامر بمنهج شجار طاولة الشطرنج و قلب المائدة بلا مبرر حقيقي إلا أن اسرائيل احرجت تركيا و كان على الاتراك توقع هذا منذ أن طلبت تقديم التقرير.
فكيف تعامل الاعلام العربي مع الامر؟
تعامل الاعلام الفاشل كالمعتاد على نهج تحويل كل شئ الى انتصار اردوغاني فريد .. قاموا باعتبار رد فعل تركيا نصراً ديبلوماسياً و قوة تركية بينما هذا رد فعل هستيري بلا سبب عملي حقيقي قامت به اسرائيل ، الأخطر انهم اعتمدوا قرار تركيا تجميد كل الاتفاقيات العسكرية المشتركة مع اسرائيل و التي صنعتها حكومة نجم الدين أربكان بالتسعينيات بينما الاتفاقيات مجمدة عملياً من الطرف الاسرائيلي منذ سنة !!!!!
ما هذا الإعلام الفاشل؟؟
رد فعل هستيري على ركلة اسرائيلية في مرمى تركيا لن يضر اسرائيل بل سيضر الجيش التركي وحده يتحول لنصر؟؟
كيف يمكن فهم الامر؟ .. لقد نجحت اسرائيل في احراج تركيا ديبلوماسياً فتحققت كل مطالب التحقيق التركية و انقلبت على تركيا نفسها و هنا كانت على ديبلوماسية تركيا قبول الأمر الواقع بهدوء حتى يتم اعتماد التقرير فإن تم الاعتماد تصر على مطالبها الاولى التي يقرها التقرير و على رأسها التعويض لكن رفض التقرير مثل دليل على محدودية تفكير وزارة الخارجية التركية فهي بالواقع ترفض تقرير يحقق مطالبها عملياً حتى ان اسرائيل لم تعرب عن موقفها الا بعد التأكد من رفض تركيا للتقرير !!
إن الاعلام العربي الفاشل كالمعتاد يقدم إردوغان كبطل لكن من خيوط عنكبوت كالمعتاد.
و يظل الجمهور الغبي يهلل لصياح عنتر مع أن لبلب هو من صفع و عنتر هو من صُفِع !!