بصورة عامة وواضحة أؤمن بأن لكل إنسان الحق في معتقده الخاص بعيداً عن آراء الاخرين فالمعتقد الديني و غير الديني أطروحات يتقبلها كل انسان بحسب ميوله و تفكيره و احتياجاته و ربما بحسب طبيعة احتياجه النفسي ، كان و لا يزال قاطع كبير جداً من مثقفينا العرب و مبدعينا يمتلكون موقفاً في المعتقد يتدرج من اللادينية الى الايمان المنفصل عن قوة النص و سيطرته و مع هذا فإن ذلك القطاع من الكتاب و المثقفين في الغالب لا يجرؤ أحدهم على إعلان طرحه الديني خوفاً من ردات الفعل و يسيرون في الغالب بمنهج التنوير الديني كحل أمثل لتقديم الطرح في صورة اصلاحية تحقق الغرض دون الدخول في دوائر التكفير و ربما التصفية.
منذ أيام إقتنيت كتاب للأستاذ محمد حسنسن هيكل بإسم الطريق الى رمضان كنت قد سمعت عنه و عن انه صدر بالسبعينيات و لم أهتم وقتها بإقتنائه لأنه أعاد تقديم الموضوع لكن بمعلومات أكثر و أقوى بفعل صدور الاوراق الامريكية و الاسرائيليةعن حرب كيبور و بالتالي بات كتاب الطريق الى رمضان ذي قيمة تاريخية محدودة لأن الاستاذ هيكل أعاد طرح الامر لاحقاً في هيئة سلسلة ملفات السويس و سنوات الغليان و الانفجار ثم حرب أكتوبر السلاح و السياسة و الكتاب الاخير شمل كليةً موضوع كتاب الطريق الى رمضان ، لكن حين رأيت الكتاب أمامي إقتنيته من باب إكمال المجموعة و تأريخ كتابات الاستاذ هيكل.
في ص 112 من طبعة دار النهار ببيروت وجدت حوار بين هيكل و عبد الناصر قبل وفاة الاخير بثلاثة أيام و قد شعرت بالدهشة لطبيعة الحوار التي تكفي ليس لتكفير الاستاذ هيكل بل تكفير عبد الناصر و هيكل معاً..
كان الحوار قد بدأ بطلب ناصر بعض شطائر الجبن بفندق هيتلون القاهرة و أشار هيكل الى أن هناك وجبات أفضل و ضرب له عدة أمثلة و أرفقها بالمارتيني فسأله ناصر:
(مارتيني..ألا يخشوا أن يكون هذا سبب دخولهم النار بالاخرة؟).
أجاب هيكل: (إنهم يعتقدون أن الله غفور رحيم و أن الهام هو تصرفات الانسان و سلوكه).
سأله ناصر : (هل أنت مؤمن؟).
أجاب هيكل: ( أجل..بالقطع أنا مؤمن).
سأله ناصر : (إذن قل لي..ماذا بعد الموت؟).
أجاب هيكل: (هذا سؤال بالغ الصعوبة و أعتقد أن الجنة و النار هما هنا فوق الارض و ربما كان القصد من ذكرهما الرمز للخير و الشر.. و بإمكاننا أن نجعل من حياتنا جنة أو نار لكن بعد الموت فربما كانت النهاية).
سأله ناصر : ( أتعني أن من يفعل خيراً على هذه الارض لا يدخل الجنة؟).
أجاب هيكل: (لا أدري.. و إنما أظن الجنة و النار رموز).
قال ناصر: (هذا يعني أننا بعد الموت ننتهي و هذا كل شئ؟).
أجاب هيكل : (نعم هذا كل شئ).
فقال ناصر : (هذا ليس مطمئناً).
و بعدها بثلاثة أيام مات ناصر !
كان هذا النص الممنوع بسبب منع الكتاب بمصر لأسباب تتعلق بالخلاف مع السادات نصاً فريداً منسياً كنت قد قرأت عنه بصورة غير مبائرة في كتاب للأستاذ محمد الحيوان بإسم حقيقة الديون السوفيتية على مصر و كان قد ذكرة الؤلف في هجوم على ناصر دون توضيح للظرف فتصورت الكاتب غير دقيق ، الان قد قرأت النص المدهش لهيكل و ناصر معاً و في الواقع فإنني أعتبر أن هذا النص كان سهلا على الاستاذ هيكل كتابته لأن الكتاب اصلا لم يصدر بالعربية بل صدر في لندن بالانجليزية و بعد فترة تمت ترجمته كما هو للعربية بلبنان و لم يأت لمصر و لاحقاً مع صدور رباعية الاستاذ الشهيرة إنزوى الكتاب منسياً بإعتبار الجزء الرابع من السلسلة أفضل منه و أكثر دقة.
الان يحضرني سؤال حول دور المثقف و قدرته على الفعل و الأداء إن كان حاصراً من كل مكان؟
هل مثقفونا لديهم القدرة على الحديث بحرية؟
هل بلدنا يحترم القلم أم معتقد صاحبه؟
الى متى نظل ندور في حلقة الحساب على أساس المعتقد؟
مع كتاب الاستاذ هيكل أترككم و مع نصه المفاجئ أمارس معكم فنون الدهشة و الأسف.
الطريق الى رمضان PDF