حدثتني صديقة عزيزة بغضب عن إحدى مقالاتي التي تناولت فيها دخول الأتراك إلى القسطنطينية أو إستانبول أو كونستانتينوبوليس أياً كان ما نسميها ، الصديقة قالت أنني شوهت محمد الثاني المعروف بإسم محمد الفاتح (علماً بأنها سبق و أرسلت لي هذا باكيةً على البيزنطيين في موقف يؤكد أننا لن نفهم عقلية النساء أبداً !) و أنني إبتكرت أو فبركت أحداث خيالية عن الغزو ، سألتها عن مصدر معلوماتها فأخبرتني أنه الفيلم التركي فاتح 1453 !
مبدئياً فأي فيلم أو مسلسل يصلح للترفية لكن ليست له علاقة بالمعرفة أو الثقافة اللهم إلا الافلام الوثائقية الناتجة عن مصدر و إعداد جيدين و حتى هذه عليها علامات تحذير ، مصدر المعرفة الوحيد هو القراءة حين تقتني الكتب و تجلس فتقرأ و تعرف ، هذا وحده هو مصدر المعرفة الوحيد الممكن و بخلافه لا مصدر آخر يمكن أن نعتبره وسيلة للمعرفة ، المؤسف أن القراءة بقدر ما باتت رخيصة و سهل الحصول عليها بالمجان من مواقع الانترنت و باتت أسعار الكتب بسيطة مقارنة بالماضي إلا أن الكتاب  فقد قيمته و تحول الى كيان مهجور غير محبوب يستغرق الوقت و لا يهتم به قطاع كبير من الشباب و حتى من يهتم نوعية الكتاب تبدوا غريبة بين يديه فإما دينية أو خرافية أو رومانسية و نادرا بحق ما نجد الكتاب التاريخي أو السياسي ، بالعودة للموضوع و قبل البدء أود طرح مصادري ثم الحديث..
-1- شهادة موثقة على الاحداث من شاهد ايطالي رئيسي نيكولا باربارو الحصار و الغزو.  أو مصدر آخر للشهادة.
-2- كتاب التاريخ الحربي للعثمانيين و هو ذكر جزء هام من الاحداث.
-3- كتاب Byzantium At War .
-4- الدراسة الهامة the fall of constantinoe .
5) The Holy War for Constantinople and the Clash of Islam and the West
Nicol, Donald M. The End of the Byzantine Empire   (6
Runciman. The Fall of Constantinople  (7-
Ali, Daniel and Spencer, Robert. Inside Islam ( 8

 عبر التالي أرصد تأريخ حصار و غزو القسطنطينية تجنبا لمتاهات  السرد  و للمزيد من الايضاح  بالعنصرة:
* سبتمبر 1452 السلطان (محمد الثاني)  يرسل وفدا إلى الإمبراطور (أوجست قسطنطين الحادي) عشر ليطالبه بتسليم القسطنطينية للأتراك بلا حرب مقابل ترك منطقة ميسترا ببلاد  (اليونان) له و الإمبراطور يرفض و يعرض دفع الجزية مقابل عدم الحرب و السلطان يرفض.
* الثاني عشر من ديسمبر تصل وفود الكنيسة الكاثوليكية من روما برئاسة الكاردينال (إيزيدور)  و تقيم صلواتها في اياصوفيا وسط رفض شعبي أورثوذكسي و كان هذا جزء من شروط بابا روما (نيكولاس الخامس) ليدعوا ملوك أوروبا للدفاع عن القسطنطينية ضد الأتراك لكن الملوك لم يستجيبوا إلا أقل قدر ممكن.
* يناير 1453  تكتمل الامدادات الأوروبية الضئيلة الى القسطنطينية بوصول ألفي جندي من جمهورية جنوة و متطوعين آخرين قلائل يقودهم الفارس (جيوفاني جوستنياني) من جنوة لتصير قوات القسطنطينية كلها 7000 مقابل قوات عددها250000 للأتراك يشارك منها بالقتال 80000 الى  160000 حسب تقديرات أخرى تضم فيالق مسيحية من صربيا التي تحالف مع الاتراك حاكمها  (يورا برانكوفيتش).
* 6 إبريل 1453 وصلت القوات التركية الى الجانب الغربي من القسطنطينية و نصبت قواتها قبال بوابة القديس رومانيوس ليبدأ حصار القسطنطينية الشهير.
* 20 إبريل 1453 إمدادات من جمهورية جنوة تسعى لعبور القرن الذهبي (البسفور) و تجاوز السلسلة المعدنية التي وضعها البيزنطيون لمنع سفن الاتراك من العبور ، معركة بحرية كبيرة تنتهي بهزيمة أسطول عثماني كامل أمام 4 سفن من جنوة ، إصابة (سليمان بالدوغلوا) قائد البحرية العثماني في عينه اليمنى و تصفيتها ، السلطان يطرد (بالدوغلوا) من البحرية و يتهمه بالتقصير و يحكم عليه بالموت ثم يلغي حكمه برجاء ضباط بالدغلو.
* 22 إبريل 1453  سفن الأتراك يتم تفكيكها و تمهيد الطريق البري لها و نقلها ثم تركيبها ثانياً و تهبط بالمياة خلف السلسلة البيزنطية لتتجاوز عقبة المرور لبحر مرمرة.
* 28 إبريل 1453 معركة بحرية بين أسطول العثمانيين و البيزنطيين تنتهي بهزيمة الأسطول البيزنطي.
* الخامس و العشرين من مايو 1453 حفارون صرب أرسلهم (يورا برانكوفيتش) تتم إبادتهم على يد (جوستنياني) بالنيران و هم يحاولون حفر أنفاق لداخل القسطنطينية مما يدفع (محمد الثاني) إلى قرار الهجوم الشامل على المدينة.
* 27 مايو 1453 عدد 12 سفينة صغيرة تصل للقسطنطينية و تؤكد أن أوروبا لن تساعد القسطنطينية و أنهم آخر المدد.
* فجر يوم 29 مايو 1453 قوات الأتراك تهاجم المدينة عبر قصفها بمدافع عملاقة صنعها مهندس مجري (مات اثر انفجار إحدى المدافع أثناء القصف) و قصف الاسوار أيضاً مما هدم معظم المدينة ، الإمبراطور البيزنطي يخلع زي القادة و ينضم لجنودة في القتال و هو مصاب و يموت ، القائد (جوستنياني) يصاب بشدة و يحمله بعض جنوده لخارج القسطنطينية الى جزيرة ساكيز التابعة لجنوة ، بنهاية اليوم كانت المدينة قد سقطت في يد الأتراك.
هذا عن الحصار و الغزو فماذا عما تلي الحصار؟
-1-  قام الجنود الأتراك بقتل كل رجل و إمرأة و طفل وجدوهم في الطرقات بالمدينة إنتقاماً لخسائرهم الكبيرة في الموجة الاولى للهجوم و لموت قائد فرق الانكشارية التركية.
-2-  قام الجنود الأتراك بدخول كنيسة آياصوفيا الكبرى و قتل أكثر من فيها من اللاجئين في مجزرة بساحة الكاتدرائية مازالت مؤرخة لليوم بالكنيسة اليونانية و نهبوا كل مقتنياتها الثمينة.
-3-  رصد نيكولا باربارو و غيره وجود عمليات إغتصاب لراهبات خارج الأديرة و عدة عمليات إغتصاب أخرى لغير راهبات.
-4-  أسر ما يقدر بين ربع و خمس أهل المدينة و سيقوا أسرى لوسط آسيا لبيعهم كرقيق و منهم الكاردينال (إيزيدور) الذي إفتدى نفسه و عاد لروما و روى كل شئ للبابا.
-5-  تم تحويل نصف كنائس القسطنطينية لمساجد و تحويل آياصوفيا لمسجد بفتوى من الشيخ شمس الدين مربي السلطان.
-6-  مساء يوم 29 مايو 1543 أمر السلطان بخروج أكثر الجنود من المدينة لإيقاف النهب و القتل مخالفا وعد سابق متكرر في كل غزوة بمنح للجنود بأن لهم المدينة 3 أيام.
-7-  منح السلطان لبقايا أهل المدينة الأمان و الحقوق الدينية مع مصادرة أكثر ممتلكات الأثرياء و إحضار مندوبين و قناصل الدول الاوروبية المعادية بحجة إعادة ممتلكاتهم ثم قتلهم جميعاً.
-8-  منح (محمد الثاني) نفسه كل الالقاب من ملك الملوك الى الخان الى راعي الكنيسة الأورثوذكسية الى القيصر ووزع ممتلكات المدينة على قادة الجنود.
9-  حصل السلطان على جثة اعتقد أنها جثة الامبراطور فصلبها و طاف بها الجنود القسطنطينية ثم أرسلت لوسط آسيا لعرضها على قبائل الاتراك كعلامة للنصر لكن اتضح انها ليست جثة السلطان و أنه دفن بمكان مجهول من قبل جنوده.
10-  اتهم الصدر الاعظم خليل باشا بالرشوة و الفساد و الخيانة و حوكم و اعدم و دفن بيوم واحد بسبب معارضته للسلطان و كذلك اعدم أحد كبار رجال ادولة البيزنطية الذين بقوا على قيد الحياة بتهمة عرض رشوة على السلطان و أعدم بعض المتعاونين مع الاثنين في موقف جعل السلطة بالكامل بلا معارضة بيد (محمد الثاني).
..
ملحوظة حول شراء اياصوفيا:
طرح العديد من المهتمين بالشأن الإسلامي و المعلقين هنا مشكورين رؤية حول أن آياصوفيا تم شراؤها و لم يتم الاستلاء عليها ، هنا و مع ركاكة الفكرة إلا أنني قد طرحت الامر مبدئياً على المهتمين بإستعادة آياصوفيا  و غنى عن الذكر نفي قاطع لأي وثيقة تاريخية حقيقية تؤكد هذا بخلاف أسباب أذكرها كالتالي:
-1- الثابت أن الاتراك حولوا المكان لمسجد كوقف اسلامي و هي الصيغة المتداولة و ليس شراؤه.
-2- نستطيع استيعاب الامر افضل بهذا المثال هل يمكن لإسرائيل شراء المسجد الاقصى و التحجج بالامر ، الاجابة لا لأن المسجد وقف اسلامي مقدس كذلك اسرائيل بلد محتل و لا يمكن بيع شئ لمحتل بعيدا عن اتهامات الضغط و فساد البيع فالاكراه حاضر بلا شك.
-3- من له حق بيع و شراء المكان ؟ .. هذا المكان يتبع الكنيسة الارثوذكسية الشرقية و هي لم تبع إياه و إلى اليوم تطالب به باعتباره مكان مسروق منها ، من باع لمن أصلا و كيف يمكن طرح فكرة البيع تحت إنكار الطرف الاخر تاريخيا ووثائقياً للأمر؟
-4- كل الوثائق التي قدمت للحديث حول شراء آياتصوفيا غير معترف بصحتها و متهمة بالتزوير لدرجة أن موقع ويكيبيديا رفض اضافة اي معلومة بهذا الشأن لإنعدام المصادر التي توثق للحدث و إتهام الاوراق المقدمة بالتزوير الضوئي مما يجعل الفكرة ضعيفة و بلا دليل.
تلك هي قصة حصار و سقوط القسطنطينية بإختصار شديد جداً كما يرويها التاريخ المكتوب و الموثق و شهادة الشهود الاجانب و البيزنطيين و التي ستثير غضب أصدقائي الاتراك لكنها حقيقة في كتب و مصادر مرفقة فما شأني بالتاريخ إلا النقل و الدراسة؟