الجمعة، 8 مارس 2013

حول طرح د. منى أبو سنة عن سيناء.


 
في بداية نوفمبر الماضي تشرفت بحضور صالون شهري ينظم السبت الأول من كل شهر و حضور د. مراد وهبة و د. منى أبو سنة و تناول الصالون موضوع سيناء و ما يخصها و حوار حول مستقبلها.
وسط هذا الحوار طرحت د. منى أبو سنة رؤية كانت غريبة بعض الشئ على الآذان في البداية ثم مع البحث حول أحداث مشابهة و ربطها بإستراتيجيات الدول الكبرى .
تحول الطرح من طرح غريب إلى إحتمال عالي النسبة جداً ، ميزة هذا الطرح أنه سبق حدوثه و تتناسب الظروف الحالية معه و البيئة الجغرافية كذلك ، من هنا نبدأ كما قال خالد محمد خالد في الخمسينيات..
الطرح:
تطرح الدكتورة منى فكرة طريق الحرير العصري ، طريق الحرير تاريخياً كان ممرا آسيويا بالقرون الوسطي تمر به التجارة للشرق و اوروبا من بضائع و بشر و سحر الشرق كما يسمونه …كل ما يمكن تخيله من محظورات و مرغوبات و محرمات لاحقاً تم حظرها كالعبيد و الافيون كانت تمر من هناك عبر أفغانستان و إيران (حزام الهند-إيران) حيث يصل لتركيا و العرب و أوروبا ، مع العصر الحديث و اضطرابات ما بعد الألفية تضاءلت اهمية الطريق و قوته خاصة مع الاحتلال الامريكي لأفغانستان و قوة السلطة بدول الحزام. فبنهاية حرب أفغانستان الاهلية إنتهت فكرة الطريق التاريخية و بات من المؤكد الحاجة لطريق حرير جديد…وسيناء مؤهلة جدا لأن تكون هذا البديل .
*السؤال الآن هل طريق الحرير ممكن بسيناء؟ و هل هناك سابقة قريبة لنموذج قريب جغرافيا؟ والأهم من سيكون المستفيد في حال تنفيذ هذا المشروع؟
 *لماذا سيناء تصلح؟
-1- سيناء أرض جغرافية تتوسط إفريقيا و آسيا و تطل على البحر المتوسط حيث ساحل جنوب أوروبا مما يجعلها صالحة جغرافياً.
-2- سيناء أرض شاسعة بلا قوة أمنية تكفي سواء جيش أو شرطة مما يخلق خلخلة أمنية في هذه المنطقة.
-3- سيناء منطقة بدوية تضعف فيها سلطة الدولة المركزية كما ينتشر فيها الفقر مما يؤهلها بشرياً للعمل القذر خاصة مع إنتشار كثيف للسلاح بدون سلطة ضبط حكومي عليه.
-4- سيناء لها تاريخ طويل من العمل بالتهريب لظروفها السابقة و لكونها منطقة حدودية خاضعة لأحكام دولية و كونها منطقة سياحية دولية جاذبة مما يجعلها مذيبة لأي فرد أو تجمع غير مصري بسهولة و كذلك تدفق الافراد و الاموال.
هل هناك سابقة قريبة جغرافياً و زمنياً؟
يوغوسلافيا..
بوفاة تيتو مؤسس الجمهورية 1980 وبطل لتحرير المملكة اليوغوسلافية تصاعد المد القومي الكرواتي و السلوفيني و الصربي و المد الديني المتشدد المسلم و المسيحي في إنفجار لما كان يختبئ من ظل تيتو و بدأ الكل يمرح إقليمياً و دولياً ، المانيا كانت نموذجا صريحا للعمل السياسي البراجماتي الخالص فهي تريد تفكيك دولتين لتدمر صناعتين منافستين ، تشيكوسلوفاكيا ثم يوغوسلافيا أما الأولى فقد قامت بهذا بيسر أولاً بتشجيع إنفصال بارد بين الدولتين ثم تدمير صناعة التشيك بسياسات الإفساد ثم الخصخصة  تحت شعار الانتقال لإقتصاد السوق و كان الامر بسيطا، لكن في الدولة الثانية فكان مرمى ألمانيا والقوى الغربية تدمير صناعتها و نظامها ووحدتها. ولما كانت يوغوسلافيا ذات القوميات و المذاهب الدينية المحتشدة فقد إحتاج الأمر حربا اهلية بدأت بإستقلال سلوفيني ألماني التصنيع ثم كرواتي فحرب صربية كرواتية إمتدت للبوشناق و كوسوفو. في الوقت نفسه كانت أمريكا تريد ضرب نظام  ميلوسوفيتش الصربي القومي فتتعامل بمنطق انفخ في النار و دعها، في النهاية كانت الحصيلة ضرب صناعة يوغوسلافيا و (نقلها لإقتصاد السوق !)
إذن نحن إزاء تفكيك الجمهورية و صناعة كنتونات مفتوحة للقواعد الامريكية بالبوسنة (صرب البوسنة منطقة و كل قومية كذلك لها منطقة منفصلة موازية في إطار إتفاقية دايتون) ولاحقاً بنفس الاسلوب في كوسوفو ، ففي هذه المناطق نشطت قوات (المحررين) من جيش تحرير كوسوفو و غيرهم في تجارة الرقيق الابيض و المخدرات بنشاط ليتحولوا لطريق حرير مثالي ، أرض فقيرة جنوب اوروبا و تطل على شمال إفريقيا بها تعدد ديني و عرقي و زوار اجانب كثيرون مع إنعدام لسلطة الدولة التي إن وُجدت فهي أصلاً سلطة (المحررين) تجار المخدرات و السلاح و الدعارة…إنها “سيناء أخرى” لكن بجنوب أوروبا بوضع مثالي حيث نفس العوامل تقريباً بل أقل من مميزات سيناء السابقة بشكل ما.
 من هم؟
من يريد صناعة أماكن تسيطر عليها عصابات بلا قانون و لا نظام ليتم من خلالها تمرير المحظور؟
يمكن تلخيص كل شئ في جملة ( المخابرات التابعة للدول الكبرى ) فهم لديهم خط مخدرات مثلاً (السي آي إيه نموذجاً) لتمويل عمليات بدون تمرير ميزانية على البرلمانات لكونها عمليات قذرة لا يمكن قبولها رسمياً و لا يمكن أبداً ضمها لميزانية و نموذج راقي لهذا دون تورط قذر بمنطقة كالبلقان كان بصفقة إيران جيت او الفضيحة بمعنى أهم فمنذ إتفاق بين حملة ريجان و إدارة الخميني على عدم الافراج عن الرهائن بالسفارة الامريكية بطهران لحين وصول ريغان للبيت الابيض لضمان سقوط كارتر و تطور الامر لصفقة سلاح إسرائيلي لإيران مقابل أموال تضخ لضرب الشيوعية بأمريكا الوسطى بدون الحاجة لميزانية سيرفضها الكونغرس منذ ذلك الوقت (و في الواقع من قبلها ) تحول الامر لمستوى قياسي خلفي سري لا يمر باوراق رسمية من إتجار المخدرات بأفغانستان لتمويل عمليات السي آي إيه عبر العالم ضد السوفييت أو ضح المافيا البلقانية ناتجها بيد السي آي إيه بالتسعينيات لتمويل عمليات مشابهة و ربما كان أول إتفاق من نوعه -للسخرية القدرية- هو إتفاق أيزنهاور كقائد لقوات الحلفاء مع مافيا صقلية يوليو 1943 أن ساعدونا للنزول بصقلية بدون خسائر جسيمة و سنترككم تمرحون بأمريكا و ننسق معكم لاحقاً !
و ماذا بعد؟
سيناء  اليوم إمتلأت بمجاميع إسلامية متطرفة ، السؤال هل هذا يتناقض مع ما سبق؟
الاجابة لا فالاسلاميون المتشددون كانوا بأفغانستان يوم كانت مزرعة مخدرات كبيرة ترعاها امريكا و كانوا بالبلقان يوم باتت وكرا بشعا لكل ما هو محظور و كانوا بالشيشان و لا يزالون وهي محل كل عمليات الاختطاف و المخدرات بوسط آسيا فالفكرة السابقة لا تتعارض مع الأصولية الدينية فقد تعلمنا أن لكل شئ مخرجا و لكل شئ مبررا ، مثلا بأفغانستان كان تبريرالمجاهدين أن هذه المخدرات تذهب للغرب الكافر و في كوسوفو كان التبرير أن هذه الوسيلة الوحيدة و غالباً بسيناء سيكون الشعار “الضرورات تبيح المحظورات” ، طريق الحرير العصري 2013 بسيناء سبقت تجربته مع نفس العناصر المتطرفة بنجاح كبير.
إن واجبنا كمصريين أمام فرضية خطيرة ستتحول معها سيناء لمحل تجارة دولية محظورة تدار من أبواب المخابرات الكبرى الخلفية أن نعيق الأمر و نفضحه طالما الإدارة الحاكمة عبثية لهذه الدرجة و لنتذكر أن 100% من مسلمي كوسوفو كانوا يؤمنون بقيادات مثل هاشم تاشي إلى أن أوصلوه لرئاسة الوزراء ليشير الاتحاد الأوروبي لاحقاً إلى كونه بارون مافيا متورطا بتجارة بشر و مخدرات لكن طبعاً أغلقت الملفات بأمر (العالم الحر) و مخابرات (العالم الحر) ، ليس لأن الشعب أوكل أحدهم للحكم فهذا يعني نظافة و طهارة الوكيل بالعكس ، طريق الحرير الصحراوي لن يختلف عن طريق ثلوج البلقان فالميديا الدولية ستلعب بإتقان لتمرير الأمر كما فعلت بيوغوسلافيا و المؤسسات الدولية ستصدر تقارير متفائلة لتثبت الوضع إقتصادياً إلى أن نستيقظ يوماً على إيران جيت مصرية او أفيون جهادي بسيناء أو تجارة بشر بلقانية نسخة سيناوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق