الجمعة، 8 مارس 2013

خدعوك فقالوا : الجيش التركي حارس لميراث أتاتورك

كثير من الأساطير تتناقلها الألسن عبر سلسلة من المقالات و الكتب و المراجع عن تركيا منذ خلع حكم السلطان عبد الحميد الثاني إلي اليوم مروراً بتركيا أتاتورك و تطورات حكمها ، من أشهر ما نتداوله بغير سلامة تاريخية أن أتاتورك منع الحجاب و هدم المساجد و منع الآذان و أعطى للجيش حق التدخل في السياسة بينما كل ما سبق غير حقيقي لا يمت للتاريخ بصلة ، من أشهر ما نتداوله كذلك أن الجيش التركي حارس على ميراث أتاتورك و سياساته و الحقيقة أن الجيش حطم ميراث أتاتورك فلم يبق منه إلا أقل القليل و قبل أن ترتسم علامات الدهشة و تبدأ الأيدي في كتابة الاستنكار فإنني أوضح لكم ان هذه النتيجة المنطقية مبنية على دراسة ملامح دولة اتاتورك و ما مر على الدولة فيما بعد وفاته و إنني من واقع دراستي الدقيقة لتلك الفترة أوضح لكم ملامح هذه النتيجة و دلائلها:
*نظام الجمهورية الإقتصادي و الجيش:
النظام الإقتصادي التركي في عهد أتاتورك كالآتي :
يقسم الاقتصاد التركي في عهد أتاتورك الى قسمين الأول من 1923/1929 و الثاني في الأعوام من 1929/1938 و في القسم الاول كانت البلاد ترتبط ببعض الإجراءات الاقتصادية من معاهدة لوزان عام 1923 و كانت بمقتضاها السياسات الاقتصادية ليبرالية بعض الشئ و من نماذج هذا عدم وضع تعريفات جمركية مثلاً و استمر الوضع على هذا المنوال وسط اجراءات نقيمها بالاشتراكية مثل تتريك المصرف العثماني و مؤسسات اخرى و دعم الدولة المالي و العيني للفلاحين الأتراك مع اصلاحات اتاتورك المعروفة حتى الازمة العالمية 1929 حين بدأ مصطلح ( الدولنة) و فيه تسمح الدولة بالرأس مال الخاص و تشجعه مع تدخل الدولة في توجيهه و تخطط الدولة بنفسها الخطة الاقتصادية التركية الحكومية و بالتالي الاقتصاد التركي محكوم بالدولة مع السماح بالمشروعات الخاصة و قد كان (جلال بايار) منفذ كرئيس للوزراء بصورة ممتازة لتلك السياساتو في 1929 كذلك تم ضع الخطة الخمسية الخاصة باصلاح الاقتصاد و فيها :
*دعم انشاء شركات و مصانع حكومية و خاصة باشراف حكومي(جلال بايار في الثلاثينيات) *مع استمرار دور الدولة في الرقابة الاقتصادية.
فرض ضرائب زائدة على المستوردين لتعويض مسألة الرسوم الجمركية.
بالتالي كان نظامه  يضمن صالح فقراء الدولة و هم الغالبية من سكان تركيا  و كانت نتائج هذا جيدة فتطورت الزراعة و نشأت الصناعة بحيث مات اتاتورك و البلاد في تقدم مستمر و سريع ، مع العام 1960 كان اول إنقلاب ضد حكومة مندريس و دولة جلال بايار مهندس النهضة الصناعية و احد أبطال حرب الإستقلال التركية  و كان من أسباب الانقلاب تغييرات في النظام الإقتصادي أدت لأضرار أصابت الفلاحين و العمال بشدة ، مع إنقلاب 1980 كان الجيش يؤسس لدولة جديدة صنعت نظام رأسمالي جديد بديلاً عن نظام أتاتورك سحق كل مبادئ الدولة الاشتراكية على يد توجرت اوزال و بمباركة الجيش و تحت شعار دولة اتاتورك بينما نظام اتاتورك الإشتراكي تم نسفه و تأسس نظام جديد عكس كل مبادئ حقوق المواطن التركي ليستمر الأمر لليوم تحت رعاية حكومة أردوغان و تحت إشراف أجندة صندوق النقد الدولي و سيل الخصخصة الجارف الذي يماثل ما يحدث في مصر و كل بلد يتبع أجندة الصندوق بينما الجيش هادئ لا يعبأ بأنه أشرف على سحق نظام أتاتورك.
سؤال: أين دولة و ميراث اتاتورك الذي يرعاه الجيش ؟..غلإجابة ان الجيش يرعى مصالحة و اجندته الوطنية حسب رؤيته و يجعل اتاتورك شعار لا أكثر.
*الحجاب و الجيش:
بصورة عجيبة نصر على ترديد شئ ليس حقيقياً بالمرة و هو أن مصطفى كمال أتاتورك منع إرتداء الحجاب بينما الواقع أن أتاتورك لم يصدر في حياته قانون واحد لمنع أو لتقييد إرتداء الحجاب في أي مكان و حين نتابع قوانين أتاتورك المتعلقة بالملبس فهي ثلاثة قوانين :
الأول عام 1925 منع فيه إرتداء الطربوش فقط دون حديث عن الحجاب.
الثاني عام 1926 و فيه عبر ما يسمى بقانون القيافة شرع إرتداء الملابس الغربية للرجل و المرأة (المرأة بنص القانون ملابسها شرعية من جونلة طويلة مثل ملابس الأوروبيات و قميص طويل) دون أن يتحدث بالمرة عن تغطية الشعر.
الثالث عام 1934 نظم إرتداء الملابس الدينية  للأئمة داخل المساجد باعتبارها ملابس وظيفية و منع إرتداء اليشمك التركي و ليس الحجاب الذي ظلت كل نساء تركيا تقريباً و في حضرته يرتدينه…….. بالتالي فإن كل قوانين أتاتورك لم تمنع أو تقيد تغطية الشعر.
فمتى تم تقييد إرتداء الحجاب؟
بدأ الحديث عن تغطية الشعر حين بدأت بعض طالبات كلية الشريعة و العلوم الدينية إرتداء الحجاب في العام 1966 فوجهت إدارة الكلية تحذيرات لهن دون أن يمنعهن من التعليم و ظل الأمر في إطار التحذيرات فقط ثم إنتشر الحجاب في الجامعات كلها مدنية و دينية عبر الستينات ثم السبعينيات حتى مجئ العام 1980 .
في إنقلاب العام 1980 أصدر الجيش سلسلة من قرارات تقييد إرتداء للحجاب جزئياً في مؤسسات الدولة و منها الجامعات و عبر العقد هذا تم إصدار سلسلة أخرى من القوانين عبر حكومة توجرت أوزال لتستكمل منع الحجاب في مؤسسات الدولة الرسمية و التعليمية ليجئ العام 1997.
في العام 1997 تم إنقلاب جديد تلته عبر نفس العام و العام 1998 أعنف أحكام قضائية و دستورية بمنع مطلق للحجاب في مؤسسات الدولة و قمع المحجبات في كل مؤسسة حكومية.
في العام 1999 تم منع النائبة مروة قاوقجي من عضوية البرلمان لحجابها عبر أمر صارم من قائد الجيش أوغلو و رئيس الوزراء بولنت أجاويد و رئيس الدولة سليمان ديميريل ، وقفت مروة لتتحدى الكل ان يأتوا بقانون لكمال اتاتورك يمنع فيه الحجاب فعجزوا جميعاً ليتم التحجج بقانون القبعة؟؟؟؟ثم القيافة؟؟؟؟ و بعد فشلهم أعلنوا صراحةً أنهم حماة الدولة و الأحرار في تصريفها؟؟؟؟؟
سؤال: لو كان أتاتورك أصدر أي قانون لمنع الحجاب فلم لم يتم تطبيقه بالعام 1966 أو 1980 و لم تم الإحتياج لإصدار قوانين جديدة بينما المؤسس أصدر قانون بهذا المعنى أو قريب منه؟..الإجابة أن الجيش يحتمي باسم أتاتورك فقط و يتحجج به لا أكثر لتمرير موقف لم يقره اتاتورك بقانون أبداً.
النظام السياسي الجمهوري و الجيش:
تأسست الجمهورية التركية منذ العام 1923 على أسس الجمهورية الرئاسية  و لم تتغير تلك الرؤية عبر عهد أتاتورك الذي رسخ لمبدأ الرئاسة بعيداُ عن تحركات الأحزاب السياسية و تناحراتها و كذلك أسس لدولة الحزب الواحد و هو حزب الشعب بحيث تتوحد الجموع الشعبية وراء الحزب و الدولة (مع إعتراضي على فكرة الحزب الواحد بل أطرح ملامح دولته فقط) و استمر الأمر حتى العام 1946 حين أشرف الجيش على تغيير نظام الحزب الواحد إلى نظام الأحزاب المتعددة و الحزبية المطلقة و الجيش يشرف على هذا برضا تام و بتصرفه الكامل ثم يجئ العام 1982 مع الدستور الجديد الذي صنع نظام الجمهورية البرلمانية التركية ليحطم نظام الجمهورية الرئاسية التركية الذي صنعه أتاتورك و بالتالى و تحت إشراف الجيش تم نسف النظام السياسي التركي الداخلي من نظام الحزب الواحد للتعددية و من الجمهورية الرئاسية للبرلمانية في طحن لعظام نظام أتاتورك السياسي الداخلي.
سؤال : هل هذا موقف جيش يحمي ميراث اتاتورك السياسي؟..أجيب بل هو نظام يغير مثله مثل المعارضة نظم و يبدلها لكنه يرفع شعار ميراث أتاتورك للإستهلاك المحلي فقط و اليوم يتحدث أردوغان عن عودة للنظام الجمهوري و لا تعليق.
*التدخل في السياسة و الجيش:
وضع أتاتورك نص مقدس إستمده من ميراث الإنقلابات العسكرية التابعة للإتحاد و الترقي يقول (سلام في الداخل) ، هذا النص يعني لا لتدخل الجيش في السياسة بأي شكل إلا في حالة الإنقلابات  او محاولة الانفصال مثل محاولة سعيد بيران 1925 و كذلك يحرم على ضباط الجيش مجرد الحديث في السياسة بالمرة لدرجة ان اتاتورك طرد ضباط الجيش أثناء حرب الإستقلال لعملهم بالسياسة ووصل الأمر لإعدام بعضهم ثم أجبر كل الضباط من نواب البرلمان على الإستقالة عام 1925 من البرلمان و فصل من رفض منهم هذا ، لكن الجيش حطم هذه القاعدة المقدسة تماماً فمع إنقلاب 1960 رسخ تدخله في السياسة عبر مجلس الأمن القومي ليعود في إنقلا 1980 ليرسخ هذا عبر دستور 1982 المعمول به من 1983 بسلطات مطلقة في شئون السياسة و الحكم تماماً و الشعار حماية نظام اتاتورك بينما هذا أساساً نسف لميراث أتاتورك الذي يمنع بالمرة أي رأي سياسي مجرد كلمة من ضابط في الجيش ممنوعة.
سؤال : هل هذا شئ ينتمي لميراث أتاتورك أو رؤيته؟..الإجابة لا بل هو تحطيم لتعاليمه التي تمنع الجيش من السياسة لكن إسم أتاتورك مجرد حجة لإبتزاز الشعب لا أكثر.
*التدخل في الخارج و الجيش:
حين وصل أتاتورك للحكم في 1923 كان ميراث الدم التركي المهدر في كل مكان بالأرض عبء نفسي هائل عليه فهو عاصر دم رفاقه المهدر على أيدي العرب و الإيطاليين و الانجليز و البلغاريين و الصرب و اليونانيين و الفرنسيين ليصير نافراً من مجرد فكرة ان يخرج جندي تركي ببندقيته خارج أرض الجمهورية مما دفعه لوضع مبدأ (سلام في العالم) بحيث يكمل مبدأ (سلام في الداخل) فالجيش لا يتدخل في السياسة و لا يتدخل فيما لا يعنيه من شئون العالم فالجيش لا يهاجم بالمرة بل يدافع فقط عن الشعب التركي في الداخل و الخارج و قد طبق الرئيس عصمت إينونو هذا بفاعلية في عام 1940 حين رفض عرض من تشرشل بالحرب ضد المانيا و كرر الرفض في 1942 بناء على تعاليم أتاتورك ، لكن بكل أسف رسخ الجيش تدمير هذا المبدأ بدء من عهد عدنان مندريس حين أرسل قواته للحرب الكورية مدخلاً الجيش فيما لا يعنيه ثم إنضم للحلف الطلسي ليرسل قواته دورياً لكل مكان بالعالم في مخالفة صريحة لموقف اتاتورك من خروج الجيش من تركيا حيث وظيفته دفاعية لا هجومية.
السؤال: هل هذا موقف من الجيش يحافظ فيه على مبدأ من أهم مبادئ اتاتورك المؤسسة للجمهورية؟..الإجابة لا فالجيش تعمد تحطيم قاعدة تركية تصرفات الجيش و بات يرسل قواته في كل مكان من كوريا لإفريقيا و أفغانستان و غيرها لكن يبتز مشاعر الأتراك فقط باسم ميراث اتاتورك لا أكثر.
——————–
بعد هذا أترك لكم الحكم في تلك الأكذوبة التي يبتز بها بعض قادة الجيش مشاعر الأتراك برفع إسم محرر تركيا و صانعها حتى يتجنبوا أي حوار او تساؤل و حتى يكتسبوا حق ليس مقرراً و أسس لحماية انفسهم ، لكن إن قلنا انه يحمي ميراثاً ما  فما هو ذلك الميراث؟
أجيب أنه ميراثه هو فالجيش التركي لا يحمي ميراث أتاتورك بل يحمي ميراثه الخاص المتكون عبر الإنقلابات العسكرية من 1960 إلى 1997 و سلسلة القوانين التي يفرضها دون أن يكون اتاتورك قد فرضها و يرفعون شعار أتاتورك حتى يبتزون الأتراك و مشاعرهم بينما الأمر الجلي أنه لم يقر للجيش ما يفعل بل منعه و لم يعط لأحد حق التحدث باسمه بعد موته فالجيش يمارس سلطات ليست له بناء على تعاليم أتاتورك و يحمي نفسه من المحاسبة و المحاكمة على ما يفعل أو يقوم به..
إن أتاتورك شبه منفصل عن تركيا اليوم..تماماً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق