بدايةً أؤكد على أن موقفي من المسألة الكردية و الأرمنية واضح وواحد لا تناقض فيه مع هذا المقال فمأساة الأرمن حاضرة حتى مع اختلافي حول تسميتها بالمذابح و موقفي من حق الشعب الكردي كذلك دون المساس بالحقوق الثابتة المستقرة للدول الحالية ، إن هذا المقال لكشف صفحة من أشد صفحات التاريخ السري لمنظمة التحرير الفلسطينية ندرة و هي تحالف المنظمة مع منظمة ( A . S . A  . L . A ) الأرمنية الإرهابية في موقف عجيب مسكوت عنه بينما كشفه يوضح لنا أهم آفات القضية الفلسطينية العربية و هي فساد العقل و سوء التخطيط و الإهدار الكبير للموارد ، إنني أقدم لكم هذا الملف منفصلاً عن حقوق الأرمن في مسألة التهجير و من قبله المذابح الحميدية و منفصلاص عن الحق الكردي التاريخي كقومية بعيداً عن المساس بالحدود و المصالح المستقرة للدول المحتضنة لهم ، كذلك أقدم هذا النموذج لأوضح أن العلاقة التركية الفلسطينية لم تكن كما نتخيل علاقة تضحية كما ضحى آلاف الأتراك بأرواحهم بمن فيهم قيادات الاتحاد و الترقي دفاعاً عن فلسطين إبان الحرب العالمية الأولى بل كانت علاقة إمتلأت بالكثير و تلونت حسب المصلحة السياسية إلى اليوم.
..
العام 1915 ، مئات الآلاف من الأرمن يرحلون على الاقدام من أرض أرمينيا التاريخية إلى الشام العثماني بأمر وزير داخلية الاتحاد و الترقي محمد طلعت خوفاً من إنفجار ثورة أرمنية على غرار العربية بدعم روسي تدمر وجودهم الشرقي في منطقة مقدسة لكل طوراني ووسط هذا عشرات الآلاف يموتون وسط الجوع و المرض و القتل من بعض حراسهم الغير مأمورين بذلك و جيرانهم المسلمين يبكون هذا الحمق الكبير الذي لا يقبله أحد ، وسط هؤلاء شاب في العشرين من عمره إسمه (جورجن يانيكيين) ينظر بمقت إلى كل جندي تركي يحيط بالترحيل القسري و يتوعد بالإنتقام يوماً ما.
..
العام 1917 ، قوات الجيش السابع  تتراجع مرغمة في بدايات ديسمبر بعد هزيمتها امام قوات الجنرال (اللنبي) و ضباط كثيرون ساخطين على الهزيمة التركية التي تسبب العرب فيها بدعمهم الانجليز و بسبب سوء الادارة و التخطيط من قيادات الجيش و الفرقة الالمانية النمساوية ليتراجعوا و بينهم ضباط ثائرون منهم رجل  خسر قواته كملة في بئر سبع سنعرفه بإسم (عصمت إينونو) بعد سنوات و رجل آخر بإسم (فوزي تقاشماق) يقود الجيش السابع و ثالث مريض في إسطنبول سيعرفه العالم بإسم اتاتورك.
..
العام 1949 ، من أنقرة إعترفت الجمهورية التركية بدولة إسرائيل الجديدة معتبرةً إياها دولة جديدة كاملة بالشرق منفصلةً عن الموقف التركي الصارم تجاة الحقوق ورفض العدوان و اعتبر ( عصمت إينونو) رئيس تركيا أن الدولة الجديدة أمر واقع يضم شعب كامل و يزداد كل يوم رافضاً أي عدوان منها على جيرانها في نظرة واقعية للأمر ، بينما هذا يحدث كان (جورجن يانيكيين) يعتبر هذا إمتداد لتجاوزات تركيا في حق الشعوب و رجل آخر عراقي المولد أرمني الأصل إسمه حسب الفرنسيين (بدروس هانسيان)  أو (هاريتون تاكوشيان) حسب عائلته بالموصل نعرفه بإسم (هاكوب هاكوبيان) يكرر نفس الفكرة و يتوعد كل من يمس حقوق الفلسطينيين بالدمار.
..
27 يناير 1973 في فندق بلتيمور ، يجلس (جورجن) المسن ذو ال 77 عاماً في إنتظار القنصل التركي و نائبه ليتسلما تحف تركية قديمة و حين رآهم مد يده لجيبه مخرجاً سلاحه الخاص و اطلق الرصاص مردياً إياهما على الفور ثم أبلغ الاستقبال بانه قتل رجلين شريرين ، تفجرت القضية كالقنبلة و ثارت حكومة فريت ميليين بأنقرة بشدة و معها رموز الحكم التركي بينما بدأ  العالم ينتبه لوجود قضية حقيقية تسمى الأرمن و مأساتهم ووسط هؤلاء كان ثائر ماركسي نعرفه بإسم (هاكوب هاكوبيان) في بيروت يقسم أن تصرف (جورجن) لن يكون الأخير و يسعى مع رفاقه لعمل شئ ما من أجل القضايا التي يخدموها من قضية اليسار الماركسي الى قضية فلسطين و قضية الأرمن.
..
السابع من أغسطس 1982 ، يقف (برهان الدين بيغلوا) رئيس الاستخبارات الوطنية التركية أمام الجنرال (كنعان إيفرين) قائد الانقلاب العسكري و حاكم تركيا العسكري ليتلقى لوم هائل جراء حادثة مطار اسنبوجا بأنقرة و التي قام بها ارهابيوا منظمة أرمنية تسمي نفسها الجيش السري لتحرير أرمينيا ( A . S . A  . L . A ) وسط قوات الجيش التركي و أدت لإحتجاز رهائن و خسائر بلغت 9 قتلى و جرح العشرات محذراً إياه من عدم القشاء على المنظمة و مرفقاً إبنته و زوجها  ليتولوا القضاء على الشبكة كلها و معرفة تاريخها الكامل.
..
28 إبريل 1988 ، يؤدي (خيري أوندول) مدير الاستخبارات الوطنية التركية التحية لرئيس الجمهورية (كنعان إيفرين) و يقدم له تقرير مختصر من جملتين: تم القضاء على (هاكوب هاكوبيان) في أثينا اليوم ، يبتسم إيفرين و قد أيقن بأن المنظمة قد إنتهت و يبدأ في مراجعة الأمر من البداية الى يومها قبل أن يأمر باستكمال القضاء عليها و على كل معاونيها من كل الجنسيات .
..
من هم؟ .. ما علاقة ما مضى بالفلسطينيين؟ .. ما معنى هذه المقتطفات و ما صلة قضية فلسطين بها؟ .. نجيب الآن:
في العام 1975 تأسست في بيروت إبان الحرب الأهلية على يد (هاجوب هاكوبيان) مجموعة مسلحة صغيرة حملت اسم السجين (جورجين) تخليداً له مؤسسةً من (هاكوب) و قس أرمني و كاتب أرمني و بعض العرب (الفلسطينيين) المتعاطفين مع قضية الأرمن و آخرين ماركسيي الاتجاة و مجموعة ثالثة لها هدف واحد هو ضرب أي جهة متعاونة مع إسرائيل ، في البداية كانت الجماعة صغيرة محدودة تنتظر داعم لها ثم سرعان ما نمت في شهور قليلة برعاية أموال منظمة التحرير الفلسطينية التي رأت في تنظيم ( A . S . A  . L . A ) الجديد وسيلة لإستكمال مسلسل دعم المنظمات اليسارية لنيل رضا السوفييت المالي و العسكري و كذلك تهديد البلاد المتعاونة مع إسرائيل كتركيا ، كانت ( A . S . A  . L . A ) الماركسية تمارس عمليات القتل ضد الديبلوماسيين الاتراك بشكل منتظم بدايةً من اغتيال ديبلوماسي تركي في فيينا الى هجمات على مطارات تركيا بداخل تركيا دعماً لليسار المسلح  مما دفع منظمة التحرير الفلسطينية لإتخاذ قرار حاسم بضم عناصر ( A . S . A  . L . A ) إلى معسكرات تدريب المقاومين الفلسطينيين داخل المخيمات ببيروت لضمان كفاءتهم الكاملة !!
مارست المنظمة الارهابية في تاريخها عديد من العمليات أهمها قتل ديبلوماسيين أتراك في بيروت و فيينا و لاهاي و أمريكا و اليونان و طهران و جنيف و مدريد و تدبير عمليات إرهابية لتفجير مطارات تركية أهمها تفجير مطار اسنبوجا و احتجاز رهائن به ، كان هذا بتمويل من منظمة التحرير الفلسطينية و تنظيمها مع ( A . S . A  . L . A )و طوال الوقت كانت الإستخبارات التركية تدور حول نفسها بحثاً عن دليل يقود لمكان هؤلاء إلى أن باتت واثقة مع عام 1979 أن المنظمة تتخذ بيروت مقر لها و من تمويل منظمة التحرير الفلسطينية حصالة مال ، و استمر الحال مضطرب خصوصاً مع انهيار كبير داخل تركيا بين الاعوام 1978 و 1980 بسبب الصراع السياسي و المسلح داخل البلاد و تعرضها لخطر الانقسام إلى أن حدث شئ مفاجئ و مرجو في نفس الوقت..إنقلاب.
في 12 سبتمبر 1980 قام الجنرال (كنعان ايفرين) بإنقلاب شامل أطاح فيه بكل المؤسسات السياسية بما فيها مؤسسات (اتاتورك) و حل الاحزاب السياسية بما فيها حزب (اتاتورك) حزب الشعب و حظر عمل قيادات السياسيين و فرض الامن و الهدوء بالقوة بشكل أعاد الاستقرار لتركيا و أنقذها من دمار محقق و استطاع تحقيق نجاح اقتصادي كبير ، على الجانب الاخر مارس القمع و التنكيل بكل المشتبة في انتمائهم لفصائل مسلحة و تم اعتقال و تعذيب الالاف و اعدام 50 من المدانين ، وسط هذا حدثت واقعة مطار اسنبوجا و اتخذ إيفرين قراره بتدمير المنظمة ، بالفعل نشطت الإستخبارات التركية و مارست نفس الامر من قتل و اغتيال و ضرب لكل عناصر ( A . S . A  . L . A )بالداخل و الخارج و استعانت عام 1982 بعناصر منظمة الذئاب الرمادية القومية المتطرفة المدانين بقضايا قتل ليواجهوا عناصر التطرف اليساري مقابل العفو عنهم لتنجح الفكرة كليةً و يتم تدمير أغلب فصائل اليسار في ضربة كبيرة ل ( A . S . A  . L . A ) بل و استعان بعناصر منظمات الجريمة للقضاء عليهم خارج لواء القانون بحيث حقق نظرية لا يفل الحديد الا الحديد و كانت الضربات الكبيرة تصفي اليسار المسلح ، لكن مع هذا جاءت الضربة القاضية من طرف آخر و قبل حتى إنقلاب (إيفرين) نفسه..جاءت الضربة القاضية من دولة شرق اوسطية إعترف بها (إينونو) عام 1949 و أثارت جنون العرب .. إسرائيل.
في 6 يونيو 1982 في الذكرى ال 15 لنصرهم التاريخي إقتحم الجيش الاسرائيلي جنوب لبنان ليشق طريقة مدمراً معسكرات الفلسطينيين الى بيروت ثم يحاصرها و يبذل الكثير قبل أن يستطيع بالكاد إجبار (ياسر عرفات) و منظمة التحرير على الخروج الى خارج البلاد لتتشتت المنظمة و معها تشت ثان ل ( A . S . A  . L . A ) التي وجدت كل معسكراتها تم تدميرها تماماً و تمويلها إنقطع و قيادات الدفاع عنها من الفلسطينيين انتقلوا لتونس و اليمن ، لم يجد (هاكوب هاكوبيان) الا الهرب لدمشق و أثينا حيث مارس بعض العمليات الارهابية مثل قتل ديبلوماسي تركي في طهران و آخر بأسبانيا ثم إتجه في 15 يوليو 1983 تحت وطأة الضربات القاصمة لليسار بتركيا إلى عمل جنوني حين هاجم مطار اورلي و كانت النتيجة مقتل 8 أفراد منهم 6 فرنسيين لتنقسم ( A . S . A  . L . A ) على نفسها و تصير جزء راديكالي و جزء آخر وسطي لتقوم فرنسا بضرب تجمعاتهم ثم التراضي المؤقت معهم بحيث لا يمارسوا أي عمل على أراضيها و اتجهت بنظرها إلى بلد آخر..تونس.
في تونس ذات الصلة الوثيقة بفرنسا بدأت معلومات كثيرة تخرج من منظمة التحرير عن ( A . S . A  . L . A ) و تتراكم مع معلومات الداخل التركي و المخابرات الفرنسية و المنشقين من الجناحين المتصارعين داخلها لتكون في النهاية كنز معلوماتي عن المنظمة و تشرح كيف كان كل شئ لتنتهي المنظمة عملياً مع محاولة اغتيال السفير التركي بهنجاريا لتعلن الاستخبارات التركية وفاة ( A . S . A  . L . A ) إلى الأبد و في نفس الوقت قيام الجمهورية الأرمنية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي.
..
هكذا كانت القصة و هكذا تم الامر ، مئات الملايين من دولارات العرب ترسل لمنظمة التحرير الفلسطينية و أرض بيروت يتم استغلالها حسب اتفاق القاهرة 1969 لصالح المنظمة و مع هذا تتحول لوكر لدعم ارهاب الميليشيات اليسارية في أثينا و اسبانيا و ايرلندا و ( A . S . A  . L . A ) ، كم من الملايين اهدرت لضرب و قتل أتراك و مصالح تركيا بلا سبب منطقي؟ .. يدعي (أبو نضال) المنقسم ظاهريا مع فتح أن المنظمة دعمت ( A . S . A  . L . A ) لأنها ضد الاتراك حلفاء اسرائيل بينما عمليا تركيا تتساوى مع كل بلاد العالم فلم لا يضربوا مصالح غربية حقيقية؟؟ .. إننا نرصد الأمر كالتالي:
-1- العرب يتبرعون للمنظمة و الاخيرة لها مصالح مع السوفييت.
-2- تظهر ( A . S . A  . L . A ) فيراها السوفييت كمنظمة ماركسية وسيلة ممتازة لدعم قلقلة تركيا عدو السوفييت و حليف الغرب بالحرب الباردة.
-3- يأمر السوفييت المنظمة بدعم الارمن فيفعلوا و يدربوهم في معسكرات (المقاومة) و يمولوهم بمال العرب.
-4- مع اخراج المنظمة الفلسطينية تنهار( A . S . A  . L . A ) تماماً و تصير معرضة للسقوط بشكل يؤكد أنها عملياً صنيعة فلسطينية بيد سوفيتية.
..
من المسئول عن الارهاب الارمني إلا منظمة التحرير التي أهدرت ملايين العرب التي قاربت المليار في جيب المنظمة؟ .. من المسئول عن دماء الديبلوماسيين الاتراك؟ .. من يعوضهم عن سنوات الدم هم و الفرنسيين؟ .. إلى متى تظل تلك الصفحة مطوية بدون فتح لأسباب سياسية؟
إن تلك القصة الحقيقية درس بسيط لمن يقول أن المنظمة كانت مستقلة عن القرار السياسي الخارجي أو أن المال كان محروس لضرب إسرائيل فقط أو أن علاقاتهم بتركيا صفحة بيضاء..
..
تحياتي.