الجمعة، 8 مارس 2013

قصة مندريس

  
مؤخراً و بتداعيات الحالة الإردوغانية المزيفة بدأ بعض الاسلاميون في كتابة تاريخ جديد لتركيا الحديثة ، تاريخ لا علاقة له بالتاريخ الحقيقي للدولة معتمدين على عدم حرص أحد على البحث عن الحقيقة و لو من صفحات الانترنت العادية بغض النظر عن أن الحقيقة علنية بكل مكان ، تركيا الحديثة جمهورية علمانية ورثت علمانية الخلافة العثمانية بالقرن التاسع عشر و بدأت في صناعة تراكمات إضافية طورت و غيرت الأتاتوركية إلى الكمالية التي نراها اليوم بتركيا و لم يكن التغيير العلماني لعثماني إلى الأتاتوركي إلى الكمالي سرياً بل علنياً واضحاً في سلسلة تغييرات سياسية و عسكرية و إقتصادية و ثقافية بشكل لا يسمح أبداً بإدعاء مزور أو مزيف بل حتى الأوراق السرية للأتراك إنكشفت مرتين الأولى في عام 1958 حين إنهارت الملكية بالعراق و أطيح بحلف بغداد و كشفت الأوراق السرية للحلف في فضيحة مدوية فجرها عبدالكريم قاسم و حصلت مصر على نسخة كاملة من أوراقها و المرة الثانية عام 1960 حين خرجت تركيا من الحلف المركزي بعد إنقلاب 1960 و سربت أوراق تركيا الخاصة بعهد مندريس ، في الحالتين ظهرت حقائق و تكلم عهد و لاحقا من 1960 الى اليوم تتالت شهادات و رفعت السرية عن أوراق و باتت حقائق إلا لنا حيث مازلنا نحيا على الأساطير..
و لتفاصيل أكثر يرجى متابعة فيديو الرد على ادعاءات عن مندريس:
فيديو 1
فيديو 2
فيديو 3
فيديو 4
فيديو 5
فيديو 6
وُلِدَ عدنان مندريس بالعام 1899 لأسرة من كبار الملاك الزراعيية لأصل تتري و نال تعليماً أجنبياً قبل أن ينتقل لجامعة أنقرة التي أسست بالعهد هالجمهوري و تخرج منها من كلية القانون ، ساهم في تأسيس الحزب الجمهوري عام 1930 ثم مع حله قبل دعوة من أتاتورك للإنضمام لحزب الشعب و تم إنتخابه بالعام التالي عن دائرة آيدن ، بالعام 1946 و لخلافات سياسية و إقتصادية داخل حزب الشعب الجمهوري ترك الحزب ليؤسس مع جلال بايار و فؤاد كوبرولو و رفيق كورلتان الحزب الديموقراطي ، بالعام 1950 نال حزب مندريس 53% من الاصوات بواقع 408 مقعد و بالعام 1954 نال 57% من الاصوات بواقع 490 مقعد في متتالية إنتخابية جديرة بالانتباة لم تتكرر إلا مؤخرا مع حزب العدالة و التنمية التركي الحاكم الان مقابل  تراجع لحزب الشعب الجمهوري الحاكم من 1923 إلى 1950 لمؤسسه مصطفى كمال أتاتورك.

سياسته الاقتصادية:
إعتمد مندريس نهج الليبرالية الاقتصادية خلافا لنهج أتاتورك المعتمد على الدولنة التي هي شكل مبسط للإشتراكية مرن الى حد كبير في التعامل مع القطاع الخاص و الاستثمار الأجنبي و الذي حقق نجاحا كبيرا في بناء الدولة و نهج إينونو المعتمد على المنهاج الاشتراكي أكثر من سلفه ، صناعة حركه صناعيه كبرى فى تركيا أدت لنمو صناعى تفوق كثيراً على ما سبقه بحيث تحولت رسمياً تركيا لبلد صناعى متطور ، نجح مندريس في تطوير الوضع الزراعى كثيراً بإدخاله المزيد من التكنولوجيا الزراعيه و إقامة السدود الحديثه مما زاد من رقعة الارض الزراعيه و زادت حركة التصدير الى اوروبا ، لكن نتائج سياساته على المدى الطويل كانت كارثية و أدت الى حدوث تضخم مالى قاتل بسبب النمو السريع و أخطاء إقتصاديه كبيره وصل الى 60% و رفع أسعار السلع بجنون فإزداد الفقر بينما تكونت طبقة رأسمالية من كبار الملاك و الصناعيين أثرت على حساب إحتياجات الفقراء و استغلال النفوذ و ممارسة الفساد و ظهوره  السافر بسبب الصفقات بين قاده بالحزب الحاكم الجمهورى و بين كبار الإقطاعيين الذين نشأوا فى عهد ( مندريس ) و كذلك كبار رجال الصناعه و كثرة خروقات القانون ، كان الاقتصاد التركي في الفترة من 1955 الى 1960 يتراجع بشدة و يحقق خسائر كبيرة أدت لوجود ضغط شعبي كبير بالذات من طلاب الجامعات ضده فكانت محصلة الإدارة الاقتصادية سيئة جداً في النهاية و أدت لأزمة إقتصادية كبرى لم تتكرر إلا مع نهايات التسعينيات من القرن العشرين.
السياسة المحلية:
على الرغم من كون حزب مندريس هو الحزب الثالث في تركيا التعددية بعد حزبين اطيح بهما عام 1930 و 1946 و كان حزبه قد أقيم الحزب على أسس الديموقراطية إلا أن حكم مندريس لم يكن ديموقراطيا بل قائم على تعددية بلا نظام ديموقراطي حقيقي أي تعددية سياسية مفرغة كنظام مبارك ، تميز حكم مندريس بالاستبداد و الحكم البوليسي و إحتكار الوسائل الاعلامية ووصل الأمر لحد حملات اعتقال موسمية للمعارضين و حملة تشوية ضد الكل ، كان مندريس يمارس حظر الاحزاب كحظره حزب الأمة في 2 مايو 1948 لمؤسسة الماريشال فورزي قائد الجيش التركي التاريخي و فصله أعضاء معارضين بالبرلمان و ممارسة القمع الشرطي ، لم تكن الحياة السياسية التركية بعهد مندريس ديموقراطية و ساهمت في خلق جيل كامل من الشباب المعارضين من طلبة الجامعة و ساهمت بدون قصد في تصعيد التيار اليساري بتركيا ، كانت سياسات العقاب القانونية شاملة بحيث صدر قانون بحبس أي صحفي يسئ الى مندريس و أغلقت صحف المعارضة و تم إصدار قانون يخول لمندريس طرد أي موظف بالدولة دون إبداء أسباب و نشر قرارات التنصت على الهواتف و الرسائل فكانت تركيا بحق تمر بحقبة استبداد بقفازات ناعمة.
السياسة الخارجية:
إتبع مندريس خط الالتصاق بالحلف الغربي فهو ورث اتفاقات تركية غربية بدأت من عام 1943 إبان الحرب العالمية الثانية فإنضم لحلف الاطلنطي في 12 فبراير 1952 و من قبلها إنضم لوحدات الأمم المتحدة بحرب كوريا عام 1951 و لاحقاً أكمل سياسات الوفاق العسكرية بالمنطقة ضمن الحلف الغربي عبر تبادل السفراء مع اسرائيل عام 1950 ثم توثيق العلاقات بين حلف بغداد و اسرائيل ثم الحلف المركزي ثم الحلف الاسلامي و كلها أحلاف اسلامية بالمنطقة تتالت عبر الخمسينيات تحت الاشراف الامريكي ، كانت نقطة القمة في العلاقات حين زار مندريس اسرائيل عام 1958 لعقد اتفاقات عسكرية و سياسية مشتركة لمواجهة النفوذ المصري المتصاعد بسوريا و مصر باعتبار تركيا و إسرائيل شريكين في مواجهة مصر الناصرية و سوريا المتحدة في دولة واحدة مع مصر ، تميزت سياسات مندريس بإتباع خط الحلف الغربي في الأزمات فمندريس أيد العدوان الثلاثي على مصر و رفض التصويت لإستقلال الجزائر في عام 1957 بالامم المتحدة و راعى مد العسكرية التركية في خدمة الاطلسي بشكل حول تركيا لدولة تابعة كليةً لحلف عسكري و سياسي و متحالفة بالكامل مع اسرائيل ضمن توابع هذا الحلف.
الانقلاب:

فى ليلة السابع و العشرين من مايو للعام 1960 قامت قوات الجيش التركى بقيادة مجموعة من الضباط الشبان بدون قائد كبير برتبة جنرال يقود الانقلاب بإحتلال مبنى الإذاعه و كل المؤسسات الحكوميه مُلقيةً القبض على رئيس الدوله ( جلال بايار ) و رئيس الوزراء (عدنان مندريس ) و قائد الجيش و كبار قادة الحزب الجمهورى ليحققوا نجاح جزئي إضطرهم خوفاً من تدخل وحدات الجيش الاخرى ضدهم للإستعانة بالجنرال (جمال جورسيل) ليكون مختاراً منهم لقيادة الانقلاب لشعبيته و حب الجيش و الشعب التركي له..و ينتهى الأمر بدستور جديد يقنن إستقلالية الجيش عن مؤسسات الدوله و القياده السياسيه و يؤكد رقابة الجيش على الدوله فى يوليو 1960 و احكام بالاعدام وصلت الى 15 حكم نجح (جمال جورسيل) في الغاء 12 منهم و كاد أن ينجح في جهوده مع (عصمت اينونو) في الغاء عقوبة (عدنان مندريس) لولا خدعة الادعاء العام و بعض الضباط الذين منعوا الاتصالات بين أنقرة و الجزيرة التي يُسجن فيها (عدنان مندريس) و أعدموه  دون موافقة (جمال جورسيل) أو أي أحد من القيادة وسط مساعي حميمة من (عصمت إينونو) و (جمال جورسيل) لإيقاف التنفيذ ، تم تدبير خطه للإنقلاب لم يعلم بها مطلقاً (جمال جورسيل) حتى مساء يوم الإنقلاب حين ذهب اليه قادة الإنقلاب سراً و أقنعوه بقيادة الإنقلاب بعد أن هدد قائد الجيش الثالث بالاستيلاء على الحكم إن لم يؤيد و يقود الانقلاب جنرال كبير بأربع نجوم ليتم الأمر و يقبل القيادة لإنقلاب لم يشارك في التخطيط أو لتنفيذ له و ينتج عنه الآتى:

-1-القبض على قائد الأركان الجديد و رئيس الدوله و رئيس الوزراء و كبار قادة الحزب الديموقراطى و رجال الاعمال و الاقطاعيين و نواب الحزب بالبرلمان و أساتذة جامعات موالين للحزب.
-2-أحكام بالاعدام لرئيس الدوله و رئيس الوزراء ووزير الخارجيه و الماليه تم تنفيذ 3 منها فقط بضغوط من (جمال جورسيل) الذي عفا عن 12 من المحكومين و العفو عن رئيس الدوله الذى تم تعديل الحكم بحبسه 25 عاماً و الافراج عنه لاحقاً.
-3-حملة تطهير شملت اقصاء آلاف الضباط من الموالين ( لمندريس ) و أساتذة الجامعات وكل من يمت للحزب الديموقراطى بصله.
-4-دستور جديد أكد على إستقلالية الجيش و رقابته على الدوله و الملكيه العامه مع السماح بالقطاع الخاص تحت رقابة الدوله.
-5-إتاحة كل الحريات و رفع حظر الصحف و اعادة فتح الصحف المغلقة و الانتخابات النزيهه و الغاء التنصت و رفع كل الاحكام العرفيه و إعادة الديموقراطيه و الحريات كلها و تم تنفيذ هذا بالكامل تحت إشراف الجيش فى إعادة لكل مظاهر الديموقراطيه بالكامل فى تركيا بل أفضل مما كانت قبل أى إنتخابات.
-6-إجراء أنتخابات نيابيه حره و نزيهه فى أكتوبر 1961 أدت لحكومه مكونه من الشعب و العداله.
-7-إنتخاب ( جمال جورسيل ) رئيساً للدوله.
هذه خطوط عامة لأسباب الازمة الشعبية و العسكرية و ملامح سياسات مندريس الداخلية اقتصاديا و نتائجها و سياسيا داخليا و خارجيا ، المدهش أن كل هذا علني و معروف ووثائق عهد مندريس علنية و روايات صناع القرار واضحة الا اننا نعشق الخرافة و نقدس الوهم و نبحث عن حجم لحية الراوي للتاريخ بدلا من البحث عن أكبر عدد ممكن من الكتب لقراءتها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق