لماذا أكتب عنهم و قد إنتهوا و باتت الموضة الحديثة الهجوم عليهم و على تاريخهم و إستبدادهم .. لا أعرف ، لكنه نوع من رد الجميل لأصدقائنا القدامى في موسكو فتاريخنا ما كان ليحتمل حرباً واحدة بدون سلاحهم و لم نكن لنمرر قرار واحد بدون تضامنهم الدولي و لم نكن لنصنع أي مشروع عملاق بدون قوتهم الفنية و المدنية ، إنهم أصدقاؤنا السوفييت الذين منحونا السلاح وقت رفض تسليحنا من الغرب دون شروط مسبقة ، إنهم أهل موسكو الذين بنوا معنا السد العالي الذي إشترط البنك الدولي سياسيا ما لا يحتمل لدعمه ، إنهم الحُمر الذين لولاهم ما وجدنا مجمعات صناعية كبرى بمصر كالحديد و الصلب -مثلا لا حصراً- و لبقينا كما وصفنا تشرشل فلاحين نرعى بأرض الباشوات لنجمع بمصر تفاوت بين الفقر المدقع و الغنى الفاحش ، لنقل إنه تحيز مني للتاريخ فأنا أؤيد محوراً و أذكر تاريخه كاملا بلا تجميل كما أراه و لا يمكنني أن أنسى دولة لولاها ما صدمنا شهراً واحداً في أي حرب مما خضنا ، إنه تحيز لدولة ظلت تمد لنا يدها (بكل عيوبها و مصالحها) في وقت كان الآخرون يمدون لنا النار لتضربنا بقوة ، إنه تحيز لرجل يسمى خورشوف و آخر يدعى بيرجنيف كانا لنا أفضل من فيصل و الحسن -مثالا لا حصرا- و من ورائهما كسينجر و جونسون و نيكسون -مثالاً لا حصراً- ، إنه تحيز لمنطق نغيبه و دعاية سوداء ساداتية و بترودولارية تريد طمس تاريخ و حقيقة..إنه تحيز للتاريخ كما يجب أن يكتب و تحيز لصديق رحل عنا يسمى الاتحاد السوفيتي.
بدايةً لنسأل أنفسنا ما رأي السوفييت وسط هجوم العرب على سياساتهم و إتهامهم لهم بالتقاعس عن دعمهم؟
أجيبكم بالنقاط العشرة الشهيرة عن شكوى السوفييت من العرب:

-1- لا أحد من العرب يجئ للسوفييت إلا بعد أن يتوجه للغرب و يتوسل له و حين يرفضه الغرب -بمن فيهم عبد الناصر- يجيئون للسوفييت مضطرين.
-2- كلما أتى العرب للسوفييت عادوا ليفاوضوا الغرب محولين زيارتهم للسوفييت لعامل ضغط لا أكثر -مثل عبد الناصر من 1955 الى 1956- و تركزون على الاختلاف العقائدي معنا كسوفييت في رسالة مستترة منكم للغرب عبرنا.
-3- كلما زار زعيم عربي موسكو عاد ليعتقل كل الشيوعيين كصك  براءة يعطيه للغرب -عبد الناصر نموذجا- و العرب وحدهم من يفعل هذا.
-4- كلما أتى زعيم عربي لنا بموسكو فتح ملف المسلمين السوفييت و لا يفعلون هذا مع أي بلد آخر غربي أو شرقي.
-5- حلفاؤنا العرب يخونون اتفاقاتنا معهم كأننا أغبياء و أفضل مثال توسيطنا للسادات لينقذ حياة الشفيع (نقابي سوداني معتقل) فاتصل السادات بالنميري ليحرضه على اعدام الشفيع -!!- و بعدها تحدث لموسكو ليؤكد لهم انه طلب منهم الافراج عنه -!!- كأن السوفييت لا يقدرون على التنصت على كل محادثات العالم.
-6- السوفييت ليسوا تجار سلاح بل يبيعون السلاح لأصدقائهم أما العرب فيتعاملون مع السوفييت كبائع سلاح محترف فيطلبون أنماط و أنواع و مستوى يتناقض مع الموقف السياسي السوفيتي (نقطة سأناقشها الآن).
-7- يتعمد العرب أن يعلنوا عن هزيمتهم بسبب السلاح السوفيتي و هذه جريمة حقيقية ردها ببساطة أن إعطونا بلد واحد بخلاف العرب قاتل بسلاحنا و هزم من شرق أوروبا لجنوب شرق آسيا لأمريكا الجنوبية بل إن إنتصار العرب عام 1973 تم بسلاح سوفيتي هزم السلاح الامريكي فالمشكلة عربية و ليست سوفيتية.
-8- مع الغرب تتفهمون مشكلاته و ظروفه و ضغوطه بينما معنا لا تتفهون أي شئ و لا تهتمون بظروفنا و تتجاهلون احتياجاتنا تماماً.
-9- بعد كل ما قدمه السوفييت للعرب لا يستثمر العرب دولار واحد بالاتحاد السوفيتي بحجة الفيتو السعودي ، أليست هي نفسها السعودية التي تسولت من السوفييت عامي 1926 و 1936 القمح و المال و منحناهم لها بكل ود و كان وسيط السعوديين و ضيف موسكو هو فيصل ملك السعودية شخصياً ، أين كان العداء وقتها؟!
-10- كلما سنحت فرصة للعرب لعلاقات مع الغرب التحقتهم بهم و هذا حقكم لكنكم مع هذا الالتحاق تركلوننا كأننا لم نساعدكم و بكل برود سياسي تتجاهلوننا.
 و الآن لننتقل لأهم مشكلات العرب مع السوفييت:
-1- السوفييت لا يساعدوننا بما فيه الكفاية في سبيل التصالح مع الولايات المتحدة:
متى إكتشف العرب هذا الامر؟ .. السوفييت يصالحون الغرب بحدود ضيقة منذ عهد نيكيتا خورشوف أي منذ قبل حتى صفقة السلاح التشيكوسلوفاكية نفسها ، السوفييت بقدر ما يريدون الوفاق فهم يساعدون العرب ألم يكن الوفاق وقت الخمسينيات و الستينيات كالسبعينيات؟ .. هل هذا الوفاق مرة واحدة فقط منع مساعدة سوفيتية؟ .. هل هذا الوفاق منع دعم سياسي أو عسكري ؟ .. مشكلة العرب أنهم يتعاملون مع السوفييت كأن لا مصالح لهم و لا سياسة خارجية و لا أي شئ فالمطلوب أن يحدد العرب للسوفييت ماذا يفعلون في سياساتهم الخارجية تجاة الغرب بينما هم أنفسهم كعرب يفاوضون الغرب سراً بل و يقمعون الاحزاب الشيوعية في بلادهم و يمنعون أي نفوذ سوفيتي ببلادهم ، الأمريكيين أيضاً كانوا يضغطون على اسرائيل في سبيل التوافق في حالات عدة أختار منها حالة محددة هي طلب إسرائيل عبر جولدا مائير ضربة اجهاضية يوم 5 أكتوبر 1973 للحشود المصرية على سيناء و رفض كسينجر لأنه لا يريد لإسرائيل أن تكون البادئة حسب إتفاق الوفاق الذي يمنع أي طرف من دعم الطرف المعتدي أليس هذا تحجيم دفعت إسرائيل ثمنه غالياً اليوما التالي مباشرة؟ .. هل في وقت الحرب تأخر السوفييت عن دعم العرب؟ .. هل في لحظة واحدة فعل السوفييت مع العرب ما فعله السادات معهم؟ .. إن التدخل في السياسات الخارجية السوفيتية لا يقابله من العرب سماح بأي توجيه سوفيتي لهم و عملياً ما طلبه العرب في حدود الممكن فنياً و عسكرياً تم تلبيته.
-2- السوفييت يمنحوننا السلاح درجة ثانية تقنياً عكس أمريكا التي تمنح أفضل ما عندها لإسرائيل:
مبدئياً فسلاح إسرائيل كما هو لم يتغير منذ حرب السويس 1956 إلا بترقية معتادة تحدث للسلاح السوفيتي أيضاً  بإستثناء نوع من الطائرات الفرنسية  IAI nesher منح لإسرائيل عام 1971 فنقطة السلاح الاحدث لو راجعنا سلاح اسرائيل عامي 1967 و 1973 لوجدناها دعاية غير سليمة  كذلك يتصور العرب أن السلاح الحديث ممكن إستبداله بسهولة ببالسلاح القديم خصوصا بسلاح الطيران ، مثلا طائرة ميج-23 حديثة حتى تعمل يجب أن تتوافر لها قاعدة أرضية حديثة للإرسال و المتبعة و تبادل التعليمات و التوجية الخ الخ و هذا لا يتوافر لدى العرب و يحتاج أعوام من الحشد و التدريب لكن العرب يريدون أحدث ما لدى السوفييت مما لا يمكنهم التعامل معه ، كذلك تحدث مفارقة غريبة اذ يعلن السوفييت عن طائرة أو دبابة حديثة فيكون مطلوب من السوفييت منها للعرب فوراً -!- هكذا بدون سنوات اختبار و عمل و دراسة كأنها سيارة لا قطعة حربية و لو اعترض السوفييت يواجهون باتهامات عربية فوراً ،  و مع هذا حين يمنح السوفييت أحدث نمط للعرب فهل يقاتلون به ؟ .. في عام 1967 فر من سيناء الجيش المصري تاركاً أحدث الاسلحة السوفيتية لتسقط بيد إسرائيل و تنقل جواً لأمريكا التي درست تصميمه كاملاً ، هل الآن من حق السوفييت أن يترددوا في منح مصر أحدث ما لديها -كمثال- أم لا  ألا يحق للسوفييت أن يخافوا من حرب جديدة من هذا النمط تطيح بأي سلاح جديد بيد مصر لتمنحه للغرب ، مصر حصلت عام 1974 على طائرات ميج 23 حديثة فمنحتها عام 1978 مع بطاريات سام-6 و 7 و مولوتكا الى أمريكا كهدية للدراسة الحربية -!!!!!- في موقف أقل ما يسمى به أنه حقارة تدمي قلب كل سوفيتي ساعد العرب طيلة 20 سنة  ، سؤال أخير ألم تقاتل الهند ضد باكستان بسلاح سوفيتي و قاتل الباكستانيون بسلاح أمريكي و انتصر الهنود و انتصر الفيتناميون الشماليون الخ الخ إنها مشكلة عربية بحتة  ، مع هذا تم منح قبل أي حرب الاسلحة المطلوبة للعرب و بدلاً من الشكر يواجه السوفييت بنفس الاتهامات بالتقاعس!
1967:


1973:


-3- السوفييت لا يتضامنون مع العرب كما ينبغي أو على الاقل كما يفعل الامريكان و الإسرائيليين:

هنا لا أملك إلا ضرب كفاً بكف ، مقارنة إسرائيل بأمريكا تعني منح السوفييت ما يمنحه الاسرائيليون لأمريكا مقابل منح السوفييت للعرب ما تمنحه أمريكا لإسرائيل و خلاف هذا سيكون مهزلة ، كم دولة عقدت معاهدة صداقة مع السوفييت توازي معاهدات استراتيجية اسرائيلية أمريكية؟ .. العرب و على رأسهم عبد الناصر تنصلوا منها و لم يفعلها الا السادات و بعد حرب اكتوبر الغاها -!- ، كم بلد سمح للشيوعيين بالعمل السياسي؟ .. بإستثناء سوريا -و في حدود ضيقة- لم تسمح لهم أي دولة بالعمل بل و قمعتهم بينما النشاط الاسرائيلي السياسي حر و به كل مناحي الاحزاب الداعمة للرؤية الامريكية ، إن هذه النقطة تفترض أن يقوم السوفييت باعطائنا ما يعطيه الامريكيون لإسرائيل ثم لا نعطيهم ما تعطيه اسرائيل لأمريكا كأن السوفييت خدم لا قوة عظمى.
-4-السوفييت يريدون دول عربية مهزومة ليتحكموا فيا:
متى و كيف توصل العرب لهذا الاستنتاج؟ .. هل السوفييت يريدون نظام مهزومة و بالتالي سمعة سلاحها السوفيتي مدمرة و نظمها الموالية لموسكو مزعزعة أمام إسرائيل المنتصرة بسلاح أمريكي؟
متى و كيف توصل العرب لهذا هل أثناء شحنهم بالسلاح من 1955 الى 1967 أم حين أرسلت كتائب سوفيتية بجنودها و ضباطها للدفاع الجوي لمصر عام 1970 و طائرات هي الاحدث لم تستخدم رسمياً حتى بأسطول الاتحاد الجوي بطياريها (نلاحظ هنا تطبيق عملي لمشكلة طلبيات السلاح الأحدث فالعرب لا يملكون خبرات تقنية للتعامل معه) المقاتلين.
متى و كيف عرف العرب هذا هل حين تابعوا انتصار الهند المستمر بالسلاح و الدعم السوفيتي أم حين تابعوا انتصار الفيتناميين بسلاح و دعم السوفييت أم حين تابعوا بقاء كوبا الشيوعية بدعم و سلاح السوفييت ، هل هناك بقعة في العالم بخلاف العرب توصلت لهذه النتيجة التي تضرب مصالح السوفييت في مقتل؟ .. العجيب أن تطبيق هذه النظريات يدمر مصالح و سمعة السوفييت أنفسهم !
-5-السلاح السوفيتي لا يصل في موعده للعرب:
هل يعرف العرب كم دولة يمولها السوفييت بالسلاح؟ .. 30 دولة بشكل مباشر !
هل يعرف العرب كم يحتاج السوفييت لصناعة السلاح فقط؟
هل يعرف العرب معنى أن يرسلوا سلاح متطور مطلوب لهم عام 1971 (عام اتهام السادات للسوفييت بمنع السلاح) بينما يتجاهلون مطلب الهند بنفس العام و هي تحارب ضد باكستان؟
ألم يسمع العرب يوماً عن الهجوم المستمر عليهم من حكومات أوروبا الشرقية لأنها تفضل العرب و بالذات سوريا و مصر عليهم بينما هم شيوعيون و العرب مناهضين للشيوعية و يسحقون أحزابها؟
من السخيف حقاً ألا يتفهم العرب ظروف السوفييت و محدودية قدراتهم امام طلبات لعشرات الدول بل ووقت الحرب بينما مصر عام الازمة 1971 ترفل بنعيم مبادرة روجرز و الهند تتطاحن مع باكستان.
حين طلب السوفييت قواعد عسكرية في البلاد العربية قوبل الطلب بالرفض و كان هذا وحده السبيل الممكن لنقل السلاح الحديث برجاله و أُسسه للعرب لحين توفير نماذج اخرى تخصص للعرب و ترحل القوات السوفيتية.
متى أصلاً أخبر العرب السوفييت بأنهم سيقاتلون و طلبوا سلاح ثم رفض أو تقاعس السوفييت ، هل مصر حددت موعد للحرب سراً للسوفييت مثلا و رفض السوفييت منحم السلاح فوراً على حساب غيرهم؟ .. كلا انهم فقط يطلبون و يريدون تفضيلهم عن الهنود الذين يخوضون حرب فماذا نتوقع موقف السوفييت؟
الجيش الاحمر في كل مكان يحتاج تخحديث مستمر لقواته و هذا فقط يخفض بشدة أي كميات سلاح ممكنة و مع هذا أرشل السوفييت عامي 1970 و 1972 أسلحة من مخزونهم الاحتياطي لمصر و سوريا و لم يقابلهم الا السباب.
-6-السلاح السوفيتي غالي الثمن:
بحق؟ .. شئ مثير جداً أن نجد العرب يتحدثون عن غلو السلاح السوفيتي بعد أن إشتروا السلاح الأمريكي الحديث الرائع..
لقد إشترت مصر -كمثال- سلاح شرقي طيلة 20 عام من 1955 الى 1975 بقيمة 1500 مليون روبل سدد منهم 500 مليون ( تقديرات اخرى ترفع المسدد لمليار بفض فوضى الارقام) و لم يسدد الباقي -!- و كان حوالي 100 مليون روبل لم يسددوا نقداً بل بضائع.
لقد إشترت مصر -كمثال- سلاح أمريكي طيلة 6 سنوات من 1975 الى 1981 بقيمة 6400 مليون دولار -!!- تحولوا لديون كادت تفلسنا لولا أن خصم 40% منها مقابل الاشتراك المصري في تدمير العراق عام 1991.
السؤال الآن من أرخص من من ، السؤال الاهم لو حصلت على سلاح غربي هل كنت لتحارب إسرائيل به؟ .. هل كان الامريكان ليمنحوك سلاح حديث درجة أولى -كما نقول دوماً- هل كان الامريكان ليدعموك سياسياً ضد إسرائيل هل كان الامريكان ليبيعوك سلاح بهذا الثمن -الغالي- 1400 مليون فقط؟
..
الخلاصة:
وفر السوفييت لنا:
-1- دعم سياسي كامل ضد إسرائيل.
-2- سلاح بثمن قليل و متوفر لقتال إسرائيل بلا قيود.
-3- تقنية صناعية متاحة بلا حدود ساهمت في مشاريع أهمها مجمع الحديد و الصلب و كل كهرباء الريف و السد العالي.
-4- وقت كل أزمة كان السلاح السوفيتي متوافر فوراً حتى لو سحب من مخزون الجيش الاحمر.
-5- قبل أن تنقد السوفييت إسأل فنسك هل كان هناك بديل ؟ .. هل السلاح الامريكي كان خيار أفضل بمعنى هل سيحقق أكثر من النقاط الاربعة السابقة؟